وقد قص سبحانه وتعالى قصص سليمان الذي ورث ملك داوود بالموارثة الملكية فقال:
{ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ( 16 )} .
ذكر الله تعالى وراثة سليمان لأبيه في ملكه ، فقد ورث هذا السلطان ، ولم يرث الرعية ، فالرعية لا تورث ولا يمكن أن تورث ، وهذا خطأ بعض الذين تولوا الملك بالوراثة ، فحسبوا أن الرعية شيء يورث ، إنما الذي يورث هو الحكم ولا يكون إلا بوارثة يقرها الشرع ، كوارثة سليمان لداوود ، وقد أباحها الحكم الرباني ليجتمع شمل بني إسرائيل أمام من ظلموهم ، وأرهقوهم من أمرهم عسرا .
أخذ سليمان يبين لقومه ما أعطاه الله تعالى من مؤهلات الحكم ، وما اختصه فقال:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ} ، أي علم لغة الطير ، وعرف ما تدل عليه أصواتها من معان تقصدها وتريدها ، وذلك يدل على مقدار تمكين الله تعالى له في ملكه وفي سلطانه عليهم ، وأن الطير والدواب أمم أمثالنا لها لغة ولها منطق وعبارات مفهومة ، كما قال تعالى:{ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ( 38 )} [ الأنعام] . وقد ذكر الضمير ضمير الجمع لبيان مكانته من السلطان ، وما أعطاه الله من قوة ، وذكر أنه لم يؤته الله تعالى منطق الطير فقط ، بل آتاه من كل شيء ولذا قال الله تعالى عنه:{ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ} أي من كل شيء علما فعلمنا منطق النمل ونطق الأحياء كلها ، وأوتينا علم القيادة ، وعلم الحكم العادل ، والضمير ضمير الجمع لبيان سيطرة السلطان العادل ، وقيل الضمير له ولأبيه ، ولكن لم يرد في القرآن ما يدل على معرفة داوود منطق الطير ، والنمل ، وغيرهما من الأحياء ، والله ذو الفضل العظيم ، ولذا قال:{ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} أي أن هذا العلم لهو الفضل الواضح المبين للحق والسلطان ، وقد أكد سبحانه فضل الله تعالى عليه ، وعلى أبيه من قبله بأن ، وباللام ، وبضمير الفصل .