{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} كما يرث الابن أباه ،في ملكه وماله ،وكما يرث الأشخاص الموقع والدرجة ،وكما يرث الأنبياء الرسالة ممّن تقدمهم ،لا بمعنى الإرث المادي ،لأن الله هو الذي يعطي الرسالة والموقع والدرجة العليا ،للمتأخر من الأنبياء ،وليس هو النبي المتقدم ،بل هو بمعنى الامتداد الذي يجعل من كل واحدٍ مرحلةً متصلةً بالمرحلة السابقة في ما هو امتداد حركة النبوة في الحياة .
وهكذا أخذ سليمان موقع أبيه ،وأراد أن يعلن القوّة التي يملكها في مواقع المعرفة ،ليعرف الناس من قوَّته الجانب الذي يربطهم به ،ليزدادوا التصاقاً بشخصيته واتِّباعاً لرسالته{وَقَالَ ياأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ} فكان لنا من ذلك ما نستطيع أن نتعرفه من حديثهم مع بعضهم البعض بطريقةٍ تفصيلية واضحةٍ ،وما نستطيع أن نتحدث به معهم في ما نثيره من حديث ،وفي ما نكلفهم به من مهمّاتٍ بشكل مباشرٍ ،تماماً كما يكلِّف بعضهم بعضاً في قضاياهم التي تهمهم في مجتمعهم الواسع .
وعلى ضوء هذا ،فإن ما يتحدث به سليمان من حدود المعرفة لمنطق الطير يختلف عن المعرفة التي يملكها بعض الناس من خلال الملاحظة المستمرة ،والتأمل الدقيق ،ما يجعلهم يتعرفون على بعض الإشارات في أصوات الطير في الحالات المتنوعة ،ولكن بشكل غير دقيق ولا تفصيليٍّ ،بينما النبي سليمان يعرف من ذلك كله سرّ التفاهم الدقيق تماماً كما لو كان واحداً منهم في تفاصيل أمورهم الخاصة{وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شيْءٍ} مما يعطيه الله للإنسان من علم وقدرة وملك ونبوةٍ وحكمٍ ومال ونحو ذلك ،مما يمكن أن يحصل عليه الإنسان في ما يحتاجه موقعه المميز في حركيته وفاعليته بشكل طبيعيٍّ معقول .
{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} الذي يعطينا موقع القيادة في حياتكم ،ويفرض عليكم الطاعة في ذلك كله ،لأن الفضل في الطاعة يثبت الفضل في الموقع تبعاً للحاجة والحركة والدور بما يتنوع الناس به مما يملكونه ومما لا يملكونه .