وهذا حديثٌ عن داود وسليمان في بعض ملامح شخصيتهما في ما يملكانه من علم وفضل وما حدث لهما من بعض القصص العجيبة التي يتصل بعضها بالغيب ،ويدل بعضها على القوّة في الموقف المسيطر في دين الله على المواقع المتنوعة الأخرى ،وعلى الاتصال الدائم بالله في استشعار اللطف الإلهي من خلال النعمة في حياتهما وحياة الناس والشكر العملي وغير ذلك مما قد نحتاجه في منهج التربية وفي روحية الحركة والإحساس والحياة .
{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً} مما ألهمهما الله منه ،وحصلا عليه من حركة الفكر والتجربة .ولكن هذا العلم الواسع الذي امتدّ حتى تجاوز المألوف مما يملك الناس من علمٍ ومعرفة ،لم يتحوّل لديهما إلى عقدةٍ ،حيث إنهما لم يختزنا في شخصيتهما ما يختزنه البعض من الشعور بالعظمة والفوقية ،بل كانا يعيشان شعور أهل اليقين الذين يرون كل نعمة هي من الله ،فهو الواهب وهو المنعم ،وبالتالي ما تحدثا به ،فإنما يتحدثان بنعمة الله وفضله ،ليجعلا من ذلك وسيلةً للشكر ،لا أداةً للتكبر والخيلاء .
وهكذا كانا يتحدثان بحمد الله{وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} فله الفضلوحدهعلى ما أعطانا من علمٍ ،وما مكننا به من قوّة ،وما سهل لنا من موقع متقدم في حياة الناس ،والثناء يكون له لا للذات ،فمنه كل شيء ،وإليه يرجع الحمد في كل شيء .