وممّا يلفت النظر أنّ القرآن يضيف في آخر الآيةمحل البحثقائلا: إنّ هذا الاتهام لم يكن لأنّهم كانوا في شك من أمرهم و مترددين فعلا ،بل كذبوا معاجز أنبيائهم مع علمهم بحقانيتها ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوّاً ) .
ويستفاد من هذا التعبير أنّ الإيمان له حقيقة وواقعية غير العلم واليقين ،ويمكن أن يقع الكفر جحوداً وإنكاراً بالرغم من العلم بالشيء !.
وبعبارة أُخرى: إنّ حقيقة الإيمان هي الإذعان والتسليمفي الباطن والظاهرللحقّ ،فبناءً على ذلك إذا كان الإنسان مستيقناً بشيء ما ،إلاّ أنّه لا يذعن له في الباطن أو الظاهر فليس له إيمان .بل هو ذو كفر جحودي ،وهذا موضوع مفصل ،ونكتفي هنا بهذه الإشارة .
لذلك فإنّنا نقرأ حديثاً عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) يذكر فيه ضمن عدّه أقسام الكفر الخمسة «كفر الجحود» ويبيّن بعض شعبه بالتعبير التالي ( هو أنّ يجحد الجاحد وهو يعلم أنّه حق قد استقرّ عنده ){[2982]} .
وممّا ينبغي الالتفات إليه أنّ القرآن يعد الباعث على إنكار فرعون وقومه أمرين:الأوّل الظلم ،والثّاني العلوّ: ( ظلماً وعلوّاً ) .
ولعل «الظلم » إشارة إلى غصب حقوق الآخرين ،و «العلوّ » إشارة إلى طلب التفوّق على بني إسرائيل .
أي إنّهم كانوا يرون أنّهم إذا أذعنوا لموسى( عليه السلام ) وآمنوا به وبآياته ،فإنّ منافعهم غير المشروعة ستكون في خطر ،كما أنّهم سيكونون مع رقيقهم «بنى إسرائيل » جنباً إلى جنب ،ولا يمكنهم تحمل أي من هذين الأمرين .
أو أنّ المراد من الظلم هو ظلم النفس أو الظلم بالآيات ،وأنّ المراد من العلوّ هو الظلم للآخرين ،كما جاء في الآية ( 9 ) من سورة الأعراف ( بما كانوا بآياتنا يظلمون ) .
وعلى كل حال ،فإنّ القرآن يذكر عاقبة فرعون وقومه على أنّه درس من دروس العبرة ،في جملة موجزة ذات معنى كبير ،مشيراً إلى هلاكهم وغرقهم فيقول: ( فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ) .
والقرآن هنا لا يرفع الستار عن هذه العاقبة ،لأنّ قصّة هؤلاء الكفرة ونهايتهم الوخيمة ذكرها في آيات أُخرى واكتفى هنا بالإشارة إلى تلك الآيات ليفهم من يفهم .
والقرآن يعوّلضمناً على كلمة ( مفسد ) مكان ذكر جميع صفاتهم السيئة ،لأنّ الإفساد له مفهوم جامع يشمل الإفساد في العقيدة ،والإفساد في الأقوال والأعمال ،والإفساد على المستوى الفردي ،والمستوى الجماعي ،فجمع كلّ أعمالهم في كلمة ( المفسدين ) .