كان في هذا العصر أقوام عظموا الشمس لما فيه من دفء ، ومن أشعة تحيي زرعهم ، ولذلك شاعت عبادة الشمس في أهل مصر ، لأنهم أهل زرع ، وفي سبأ ، لأنهم أيضا أهل زرع وأهل حدائق غلب ، فشاعت فيهم عبادة الشمس ضلالا لعقولهم ، وفسادا لتفكيرهم ، واستجابة لدعاة السوء بينهم ، وفعلوا هذه العبادة من دون الله ، أي إنهم عبدوها دون أن يعبدوا خالقها الذي خلقها ، وخلق كل ما يكون مما جعلا الله تعالى سببا لنمائه ، وهو وحده الخلاق العليم .
وذلك لاستيلاء الشيطان على قلوبهم ، ولذا قال عز من قائل:{ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} .
إنه من الحقائق النفسية الثابتة أن أول الشر استحسانه ، فالشيطان يزين أعمال السوء للفاعل ويحسنها له ، ويظن أنها الخير وحدها ، وأن ما عداها باطل ، وفرق بين المهتدي وغير المهتدي ، أن من هداه الله يميز الخبيث من الطيب ، فلا يتردى في باطل ، وإن تردى فيه سرعان ما يعود إلى الحق ، ولا يقبل وسوسة الشيطان بالشر ، وليس قلبه موضع لتزيينه ، ثم قال{ فصدهم عن السبيل} ، أي أنهم بسبب تزيين الشيطان لهم قد مكنوه من أنفسهم ، فصدهم عن السبيل ، أي لعلهم يعرضون عن الطريق المستقيم في ابتدائه ، ومن ضل في أول الطريق سار في ضلال إلى آخره ، ولذا قال مرتبا على ذلك:فهم لا يهتدون ، أي فهم يسيرون في ضلال غير مهتدين إلى الحق إلى النهاية ، حتى يكون الحساب والعقاب