بعد ذلك أخذ يفكر في تعرف حالهم ، وإظهار القدرة التي منّ الله بها عليه ، فأراد أن يختبر ذكاءها قال:
{ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ( 38 )} .
العرش كرسي السلطان ، وقد سبق أن وصف الهدهد ذلك العرش بأنه عرش عظيم ، قد أوتي من الأبهة والزخرفة الكثير ، وإنه دليل على كمال السيطرة ، وكمال الثروة ، وما الذي يطلبه نبي الله الملك من الملأ من قومه أهو أن يأتوه به ذاته ، ذلك ظاهر القول ، ولو يوجد ما ينفي الظاهر ، ونحن نأخذ بظاهر القول ما لم يوجد من الاستحالة العقلية ما يخرجنا من الظاهر إلى غيره ، فالأمر كله لا غرابة فيه ، فالنمل يتكلم ، ويسمع كلامه ويفهم ، والطير يتكلم ويفهم ، ويرسل في رسائل وكتب إذن فلا غرابة في أن يأتي بعض الملأ بذات العرش .
وقد قال بعض الذين يتكلمون في معاني الذكر الحكيم . إن الذي طلبه نبي الله تعالى هو أن يأتوه بصورة العرش لا ذاته ، ونحن نرى أن هذا التأويل وإن كان محتملا لا نرضاه ، لأنه غير ظاهر اللفظ ، وظاهر اللفظ يسير في مؤداه ما دام لا يستحيل ، وقوله قبل أن يأتوني مسلمين يقول إن الإسلام هنا هو الخضوع ، ويصح أن يكون المعنى الإسلام الحقيقي ، وهو شهادة أن لا إله إلا الله ، وإنا نميل إلى الأول ، لأن الإسلام بشهادة الحق جاء بعد ذلك عندما قالت بلقيس:{ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( 44 )} .
أخذ الملأ ممن حول سليمان يعملون على إجابة طلبه .