وإن أولئك الذين يستخذون للكافرين ويسايرونهم ، بل يطيعونهم وينتقلون من العزة والكرامة إلى الذلة والمهانة ويعتقدون القوة في الكافرين فيعطونهم الولاية ، ينسون الله تعالى وولايته ، ولذلك قال سبحانه مطمئنا المؤمنين الصادقين الذين لا يرضون بولاية الكافرين:{ بل اله مولاكم وهو خير الناصرين} . .
المولى هنا هو النصير ، وإذا كان الله ناصره ، فإنه لا محالة غالب ، فهو نعم المولى ونعم النصير . والمولى لا تدل على النصرة فقط ، بل تدل على كمال الصلة والمحبة والقرب ، والنصرة تجئ لازمة لهذه المعاني ،و"بل"هنا للإضراب وهو إضراب انتقالي ؛إذ هو انتقال من الكلام في موالاة الكافرين ، وما يترتب عليها من نكوص على الأعقاب ، واضطراب بين الحق والباطل ، واستكانة وذلة وخسران مبين ، إلى الكلام فيما هو سبب العزة والرفعة والكرامة والقوة والسؤدد والنصر المؤزر الثابت ، وهو موالاة الله تعالى ، وعبر عن ذلك بقوله تعالى:{ الله مولاكم}أي ان الله الخالق لكل ما في الوجود ، والذي بيده مقاليد كل شيء ، والمسيطر القوي الجبار القاهر فوق عباده هو مولاكم ، فعليكم ان تطلبوا ولايته ، ومن اعتصم به فقد آوى إلى ركن ركين ، وحصن حصين ، وذكر هذا الأمر بصيغة الخبر للإشارة إلى ان المؤمن بمقتضى كونه مؤمنا هو في ولاية الله تعالى فلا يخرج عن جماعتهم ولا يسلك غير سبيلهم ، ولا يطيع أعداءهم ، او يمالئهم ، او يسايرهم ، فإن ذلك يكون محادة لله ولرسوله ومشاقة لله ولرسوله ، والله تعالى يقول:{ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله . . .22}[ المجادلة] ويقول سبحانه جلت حكمته:{ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا115}[ النساء] .
وإذا كانت النفوس الضعيفة تجد في الالتجاء إلى الكافرين بعض الحماية فلتعلم ان المعاد والنصرة من عند الله ؛ولذا قال سبحانه:{ وهو خير الناصرين} أي إن الله تعالى هو الذي ينصر المؤمنين ، ونصره هو المؤكد المحتوم الباقي ، وهو نصر مالك القوي كلها ، والمسيطر على العالم بكل ما فيه ومن فيه وما تجري به الأسباب ، وما ارتبطت به شئون الناس والكون ، ولذلك كان نصره خير نصر ، إذ هو أدومه وأقواه ، وما عند الناس من نصر فهو ظاهري ، ولا يتحقق إلا بأسباب قدرها ،فهو المسيطر المريد لكل ما يقع في الكون ، ونصر الله تعالى معه العزة ، ونصر الناس معه الذلة ، فمن استنصر بالله عز ، ومن استنصر بالناس ذل ، وهذا على ان"خير"وهي من افعل التفضيل على بابه ، وقيل:إن افعل التفضيل هنا على غير بابه ، وان المعنى انه لا ناصر إلا الله ، ولا ناصر سواه ،فنصره هو النصر ، ونصر غيره ليس بنصر .