وقد أكد سبحانه وتعالى طلب التفويض والتوكل بعد التدبير واخذ الهبة بقوله تعالى:{ إن ينصركم الله فلا غالب لكم وغن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده} .
أي انه إذا أراد الله تعالى ان ينصركم ، واستحققتم نصره فإنه لا يوجد قوم من شانهم ان يغلبوكم ، والتعبير باسم الفاعل في قوله تعالى:{ فلا غالب لكم} يفيد انه لا يوجد من عنده القوة ومن شانه ان يغلبكم ؛ لأنه عن كان قويا في نفسه فالله معكم وهو القاهر فوق عباده ، وهو الحفيظ عليهم ، وخلق الإنسان ضعيفا مهما تكن قوته ، وغن استحقاق نصر الله يكون بأخذ الأهبة ومبادلة الرأي ، وتعرف أسباب النصر ، ثم التوكل على الله تعالى ، وتفويض الأمور إليه . وإن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ان اعد الأهبة اخذ يدعو الله تعالى بالنصر ، ويكرر هذه العبارة:"اللهم إن تهلك هذه العصابة من اهل الإسلام لا تعبد في الأرض"{[606]} .
وإنه إذا فقد المؤمن نصر الله فلا ناصر له من غيره ، ولذلك قال سبحانه:{ وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده} .
أي إن يكتب الله سبحانه وتعالى لكم الخذلان ، ويحرمكم من معونته وتأييده ، فلا احد ينصركم من بعده أي ممن هو دونه او من بعد خذلانه ، لأنه لا احد عنده قدرة تقف امام قدرة الله تعالى ، والاستفهام ليوجه أنظار المخاطبين إلى البحث عن قوى تكون قدرته كافية للوقوف امام إرادة الله تعالى الخذلان ، فإنهم سيبحثون عن قوى لا تكون قوته إلى بقاء ، ولن يجدوه ، فعندئذ يحكمون بأن الله وحده الكبير المتعال ، ولا ناصر سواه{ وعلى الله فليتوكل المؤمنون} .
أي عليه وحده لا على شيء سواه ، وأفاد ذلك تقديم{ على الله} أي ان المؤمنين لا يتوكلون إلا على الله سبحانه وتعالى فالاتكال عليه وحده ، والإيمان متلازمان لا ينفصلان ، فغير المؤمن يعتمد على الأشخاص الفانين ، ام المؤمن فلا يعتمد على احد سوى الله تعالى ، والاتكال على الله من مقتضيات الإيمان بالله وحده ؛ لأنه جزء من الوحدانية ، فالذين يعتمدون على غير الله من العباد يصيبهم نوع من الشرك الخفي ؛ لأنهم يفرطون في تقدير العباد ، بل قد تفرط منهم عبارات التقديس ، وقد كان بعض الذين لا دين لهم يعبرون عن بعض الملوك بالذات العالية ، وذلك شرك بلا ريب ، وأهل الإيمان الصادق لا يعتمدون إلا على الله بعد أخذ الأسباب ؛ لنهم لا يؤمنون إلا بالله:{ ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير4}[ الممتحنة] .