{ ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان ان آمنوا} إذا كان ذكر الله يربي القلب ، والتفكر يهديه ، وهما معا يرفعان المؤمن إلى مرتبة الخوف من الله ، فإن التذكر لله والتفكر في خلقه يفتح أيضا القلب للتصديق والإذعان للحقائق الدينية ، ولذلك كان من ثمرات التفكر إجابة نداء الحق ، والإيمان بالله ورسوله والغيب ، ولذلك كان من شان المتذكرين المتفكرين في خلقه انهم بمجرد ان سمعوا نداء الإيمان أجابوا . . وهنا بحوث لفظية:
أولها:أن أولئك سمعوا نداء المنادي ، ولكن أسند السمع إلى الشخص لكمال الانتباه إليه ، ولن شخص المنادى له أثر في حسن الاستماع لأنه رسول من عند الله ، فما اقتنعوا بالحق لذات الحق فقط ، بل لن الداعي صادق أمين .
ثانيها:انه أطلق المنادي ، ثم ذكر بعد ذلك انه ينادي بالإيمان وذلك لما فيه من إبهام بعده بيان ، فيكون البيان أكثر ثباتا ، ولأن الإطلاق أعطى المنادي تفخيما وتكبيرا ، ولأن النداء إلى الحق اعتبر كالعنوان له .
وثالثها:ان الإيمان ذكر مطلقا على انه إيمان بالرب ، وذلك للدلالة على الإذعان المطلق لله وللحق والهدى . . اللهم هبنا إيمانا بالحق وإذعانا له ، وقد أجابوا نداء الإيمان فقالوا( آمنا ) .
وسماع النداء لا يلزم ان يكون من شخص المنادي ، بل يعم السماع من شخصه وتتبع رسالته من بعده .
{ ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار}كان التفكر والتذكر لله سببا في قوة إحساسهم بهفواتهم ونسيانهم حسناتهم وتواضعهم امام ربهم خاضعين خاشعين ، ولذلك طلبوا ثلاثة أمور:أولها:الغفران إحساسا بتقصيرهم وفضل ربهم . وثانيها:تكفير السيئات ، أي الأمور التي تسئ في ذاتها ، والفرق بين الذنب والسيئة ، أن السيئة عصيان فيه إساءة ، والذنب فيه تقصير وتبطؤ عن الخير والغفران ، والتكفير كلاهما ستر ، ولكن الأول يتضمن معنى عدم العقاب ، والثاني يتضمن ذهاب أثر الإساءة . والمطلب الثالث الذي طلبوه هو ان الله يتوفاهم مع الأبرار ، أي يميتهم مع الأبرار بأن يسلكوا طريق الاستقامة في الدنيا حتى يخرجوا منها مع المستقيمين الأبرار الأخيار .