{ أولئك جزاؤهم ان عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين}بعد ان شرح الله سبحانه نفس الذين سيطر الهوى عليهم بين الله جزاءهم في الدنيا والآخرة ،وقوله تعالى:{ أولئك}إشارة إليهم في أوصافهم السابقة ،فالإشارة ليست إلى أشخاصهم ؛لأنه لم يذكر أشخاصا ،إنما ذكر أوصافا ،فالإشارة إلى من عندهم هذه الوصاف ،وقد ذكر سبحانه في هذه الآية الكريمة الجزاء الأول لهم ، وهو اللعنة المؤكدة الثابتة المجمع عليها ،وهي لعنة من الله وهي أعلاها ،ولعنة من الملائكة ،ولعنة من الناس أجمعين ،أي انها لعنة من الخالق والمخلوقين العقلاء سواء منهم من كانت طبيعته روحية ملكية ، ومن وكانت طبيعته إنسانية لها صلة بأعلاق الأرض ولها صلة بالروحانية السماوية ؛ذلك بان الظلم أبغض الصفات الإنسانية عند الله والناس ،فالله سبحانه قد كتب العدل على نفسه ،ولذا روى انه ورد في حديث قدسي:"يا عبادي إني قد حرمت الظلم على نفسي فلا تظلموا"{[524]} ، والظالمون الذين سيطر الغرض والهوى على نفوسهم فلا يؤمنون بشئ ،ولا يذعنون للحق إذا عارض أهواءهم الظالمة ،لا يحبهم احد ،فإن من غلب عليه هواه ،وأحب نفسه أبغضه الناس .
ولكن ما اللعنة التي ضربها الله على الذين اتخذوا إلههم هواهم ؟قال علماء اللغة:إن اللعن في الأصل معناه الطرد ، وإذا أسند إلى الله تعالى كان المراد الطرد من رحمته ، وإني أرى انه قد يستعمل بمعنى غضب الله تعالى وسخطه ، وهذا معنى لازم للطرد الذي هو الأصل في المعنى اللغوي ؛لأن الطرد يترتب عليه السخط والمقت والغضب ؛إذ لا يطرد من رضي الله عنه ،ولا يطرد محبوب ، وعلى ذلك تكون اللعنة هنا بمعنى سخط الله تعالى وغضبه ،وسخط الملائكة وغضبهم ،ولا مانع من ان يراد الطرد من رحمته إذا اجتمع مع الغضب في مثل قوله تعالى:{ وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما93}[ النساء] .فهذه معان متلازمة مترتب بعضها على بعض ،فيترتب على الغضب الطرد من الرحمة ،ويترتب على الطرد من الرحمة عذاب السعير ،فإنها للجنة أبدا ،أو للنار أبدا ،كما قال صلى الله عليه وسلم{[525]} .
وكون اللعنة تكون من الناس أجمعين معناه ان الفطرة الإنسانية السليمة كلها تتنكر وتلعن تلك القلوب المنحرفة التي لا تخضع لحق ،ولا تؤمن للبينات ،بل تتجه إلى طمس المعالم التي تنير وتهدي ،فالمراد المعنى الإنساني العام لا الإحصاء والجمع لآحاد بني الإنسان .