/م86
{ أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين} قال الأستاذ الإمام:لعنة الله عبارة عن سخطه ولعنة الملائكة والناس إما سخطهم وهو الظاهر هنا وإما الدعاء عليهم باللعنة ، أي أنهم متى عرفوا حالهم فإنهم يلعنونهم:والمشهور أن معنى اللعنة الطرد والإبعاد ، ففي حقيقة الأساس"لعنه أهله طروده وأبعدوه وهو لعين طريد "وبذلك فسرنا الكلمة في قوله تعالى:{ وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم} [ البقرة:88] وهي أول آية ذكر فيها اللعن في سورة البقرة .والظاهر من العبارة هناك أنها ليست عن الأستاذ الإمام .وما قاله هنا هو من التفسير بطريق اللزوم ، فإن الطريد لا يطرد إلا وهو مسخوط عليه .وقد قال الراغب في المفردات"اللعن الطرد والإبعاد على سبيل السخط وذلك من الله في الآخرة عقوبة وفي الدنيا انقطاع من قبول رحمته وتوفيقه ، ومن الإنسان دعاء على غيره قال:{ ألا لعنة الله على الظالمين} [ هود:18]{ والخامسة أن لعنة الله عليها} [ النور:7] اه .
وقوله دعاء على غيره أي بالطرد لأنه هو معنى اللعن في الأصل .والجمهور يفسرون لعن الله لمن يلعنه بطرده من جنته أو من رحمته أي الخاصةإذ الرحمة العامة مبذولة لكل مخلوق .ويفسرون السخط والغضب منه بنحو ذلك لأن ما أطلق عليه تعالى من الأوصاف التي تدل في البشر على الانفعالات تفسر بآثارها التي هي أفعال .
ولكن السلفيين يعدون هذا تأويلا ، ويقولون إن تلك الأوصاف كغيرها شؤون لله تعالى لا يدرك البشر كنهها وتلك الأفعال التي فسرت بها هي آثارها كما هو المفهوم من اللغة .والأستاذ الإمام كان سلفي العقيدة في سنيه الأخيرة التي عرفناه فيها فلا يبالي بإمضاء جميع الصفات على ظاهرها مع التنزيه ، وكأنه رأى أن تفسير مثل"عليه اللعنة "بعليه السخط أقرب من تفسيره بعليه الطرد .فما قاله أقرب إلى الذوق الصحيح في أسلوب الكلام .ومثله قوله:{ فعليهم غضب ولهم عذاب عظيم} [ النحل:106] فعبر عن وقوع الغضب الذي هو صفة بعلى وعن العذاب الذي هو فعل باللام .
وقد استشكلوا قوله تعالى:{ والناس أجمعين} مع العلم بأن من على عقيدتهم لا يلعنونهم .وقد أشار الأستاذ إلى الجواب عن ذلك بأن كل الناس يلعنونهم متى عرفوا حقيقة حالهم .فالمعنى أن هذه الحالة التي هم عليها مجلبة للعنة بطبعها من كل من عرفها .وصحح الرازي أن المراد به ما يجري على ألسنة جميع الناس من لعن الكافر والمبطل .وقال أبو مسلم:له أن يلعنه وإن كان لا يلعنه:كأنه يفسر اللعن باستحقاقه .وهناك وجه ثالث وهو أن ذلك يكون في الآخرة ويؤيده قوله تعالى:{ وقال:إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم بعضا ويلعن بعضكم بعضا} [ العنكبوت:25] وقيل إن المراد بالناس المؤمنون .