{ ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة}
/م123
وهنا يذكر سبحانه وتعالى جزاء الذين يعملون عملا صالحا فيعنيه ولا يتركه مجملا ، فقد ذكر في الآية السابقة جزاء الشر به ولم يبينه ، ولكنه ذكر أنه على قدر العمل من غير أن يبين صنف الجزاء . والعبرة في ذلك هو المساواة بين الجزاء والعمل ، وأنه بهذا لا يظلم لأن الجزاء على قدر العمل فالجريمة والعقاب متساويان .
وهنا ملاحظتان ، إحداهما أن الله تعالى يقول:{ ومن يعمل من الصالحات} أي أنه يعمل بعض الصالحات ، وذلك لأن الإنسان لا يستطيع أن يعمل كل الصالحات بل يستطيع أن يعمل بعضها ، لأن طاقته النفسية والبدنية لا تمكنه من عمل كل الخير ، وكل يعمل على قدر طاقته من غير تقصير ، والله تعالى يغفر القصور ، وفي ذلك إشارة إلى أن الإنسان يطلب من العباد ما يطيق من غير شقة ولذلك لم يطالب النبي صلى الله عليه وسلم بأقصى الغاية من العبادة ، بل قال:"سددوا وقاربوا"{[814]} .
والملاحظة الثانية:أنه ذكر الأنثى في قوله تعالى:
{ من ذكر وأنثى} و( من ) هنا بيانية ، فهي بيان لمن في قوله تعالى:{ ومن يعمل} والأحكام الشرعية كلها تشمل النساء والرجال ، إلا ما يقوم الدليل فيه على أن أحد الصنفين مختص بحكم لأنه يكون ملائما لطبيعته ، وإن ذكر الإناث في الأحكام العامة فيه إشعار بكمال الإنسانية في المرأة ، وأنها لها حقوقا ، وعليها واجبات اقتضاها التكليف فما من عبادة إلا طولبت بها المرأة كما طولب بها الرجل ، وإن كان للرجل اختصاص في بعض العبادات كالجهاد ، وسبب ذلك الرجولة ذاتها ، والإعفاء من واجب شاق لا يعد حرمانا ، وفي الحق إن المرأة تقوم بواجبات شاقة تنفرد بها أيضا ، كالحمل والولادة والقيام على شؤون الأولاد في المهد .
وقد اشترط لاستحقاق الأعمال الصالحة أن يكون من يعملها متصفا بالإيمان فإن الجزاء من الله تعالى ويجب أن يكون العمل قد قصد به وجهه وحده . فالثواب ليس على مجرد العمل ، بل على النية فيه ، وقصد الخير وذلك لا يكون إلا إذا قصد به وجه الله تعالى .
وقد أكد سبحانه وتعالى الجزاء بقوله:
{ ولا يظلمون نقيرا} أي لا ينقصون من عملهم الصالح شيئا ، ولو كان شيئا صغيرا بقدر النقير ، وهو العلامة التي تكون في ظهر النواة ، فتظهر كثقب صغير وتسمى نقرة كأنها حصلت بمنقار طائر صغير ، ويضرب العرب بها المثل في القلة .
وإن مثل هذا الجزاء لا يستحقه العبد إلا بفضل من الله تعالى بدليل أنه يقبل بعض الصالحات ويدخل الجنة عليها ، ولا ينقص شيئا فهو يفيض بالثواب ولا ينقص من عمل الخير .
وقد تساءل الزمخشري لماذا ذكر عدم الظلم ولم يذكره في عمل السوء ؟ وأجاب عن ذلك بأن عدم الظلم ملاحظ هناك بذكره هنا . وفي الحق إن عدم الظلم ملاحظ هناك من النص ذاته ، فقد ذكرنا أن الله سبحانه وتعالى قال:
{ من يعمل سوءا يجز به} وهذا فيه النص على أن الجزاء بقدر العمل ، ومؤدى هذا ألا يظلم ، وكان الجزاء عمل الغير أكثر منه من أن ينقصوا ، أما في عمل الشر فالجزاء لا زيادة فيه ، والإيمان الصادق الذي لا تسيطر عليه الأماني والأحلام هو الاتجاه إلى الله تعالى ولذا قال سبحانه:{ ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن} .