{ إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا}
/م167
الاستثناء هنا من ختام الآية السابقة أي أن الله تعالى لا يوصلهم إلى طريق إلا طريق جهنم ، ويكون معنى الهداية التوصيل وليس التوصيل إلى جهنم فيه نوع من الهداية ، بل هو التردي في الهاوية وكان التعبير عن الهداية من قبيل المشاكلة اللفظية وفيه نوع من التهكم في مثل قوله تعالى:{ فبشرهم بعذاب أليم ( 24 )}( الانشقاق ) .
وفي الكلام تنبيه إلى أن أعمالهم تنتهي بهم لا محالة إلى جهنم وعذابها الشديد فإذا كانوا ممن يظنون أنفسهم في سعادة في الدنيا فسيجدون الألم الشديد ،{ ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون( 3 )}( الحجر ) .
وقد ذكر الله سبحانه أنهم خالدون في جهنم أبدا ، فأكد سبحانه العذاب بأنه عذاب خالد دائم ، فوصفهم بأنهم خالدون على وجه التأبيد ، وقد وصفهم بالخلود الدائم في العذاب ولم يصف العذاب للإشارة إلى أنهم متلبسون به ولتصوير الآلام التي تنزل بهم ، وأنهم لا خلاص لهم منها ، بل هي ملازمة لهم ملازمة الوصف للموصوف .
وقد قال الأصفهاني في معنى الخلود:الخلود هو تبري الشيء من اعتراض الفساد ، وبقاؤه على الحالة التي هو عليها ، وكل ما يتباطأ التغيير والفساد فيه تصفه العرب بالخلود ويقال خلد يخلد خلودا قال تعالى:{ لعلكم تخلدون ( 129 )}( الشعراء ) .
والخلد إسم للجزء الذي يتبقى من الإنسان على حالته وأصل المخلد الذي يبقى مدة طويلة والخلود في الجنة بقاء الأشياء على الحالة التي عليها من غير اعتراض الفساد عليها ، قال تعالى:{ وكان ذلك على الله يسيرا} .
والأبد قال فيه الراغب:"مدة الزمان الممتد الذي لا يتجزأ وأبد يأبد بقي أبدا ، ويعبر به عما يبقى مدة طويلة". وإن تفسير الخلود على ما ذكره الراغب يقتضي بقاء الناس يوم القيامة بأبدانهم من غير أن يعتريها فساد ولا فناء ولا تحلل أجزاء ، فأهل الجنة يبقون بقاء تمتع ونعيم وأهل النار تبقى أجسامهم في شقاء وعذاب أليم ، لا تبليها النار ولا يفنيها العذاب ، ولا يذهب بالحساسية فيها توالي الاكتواء ،{ كلما نضجت جلودها بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما ( 56 )}( النساء ) . والأبدية معناها الدوام ، كما دل على ذلك مجموع النصوص القرآنية ، وإن تأكيد الخلود بالأبدية يدل على بقاء العذاب والنعيم .
ذيل الله سبحانه وتعالى الآيات بهذا ليبين لهم أن الله تعالى غالب على كل شيء وأن عذابهم أمر يسير عليه ، لإبطال زعمهم في أنهم لا يقدر عليهم أحد ، ذلك أن كل طاغية من طغاة الدنيا سبب طغيانه واسترساله في شره ظنه أن لن يقدر عليه أحد ، مع أن الله تعالى هو القاهر فوق عباده ، اللهم أبعد عن خلقك طغيان الطاغين ، وغرور المغترين وارزق المؤمنين الأمن والاطمئنان .