{ يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض}
/م40
يومئذ- هي ظرف مضاف إلى الظرف ، ودخله التنوين على غير ما يقرره قياس النحويين ، لبيان عظم ذلك الزمان الثاني وهوله ، وأضيف الظرف إلى الظرف لتأكيد وجود ذلك الزمان ، فهو يوم مؤكد الوقوع وهو على الكافرين عسير ، ولشدته يحب ويتمنى الذين كفروا وعصوا الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم أو عصوا أي رسول بعث إليهم_ وتكون اللام للاستغراق_ أن يكون ترابا كالأرض ؛ كما قال تعالى:{ ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا( 40 )}( النبأ ) ، وهذا معنى تسويته بالأرض . ويصح أن يكون المعنى أن يدفنوا ويعودوا إلى القبور ، وتسوى بهم الأرض كما كانوا من قبل . ويصح أن يكون المراد ألا يبعثوا وأن يستمروا مقبورين ، والأرض مسواة عليهم . والباء في قوله تعالى"بهم"على التخريجات السابقة التي تنتهي إلى معنى واحد ، للملاصقة ، أي يستمرون ملاصقين للأرض على أنهم جزء منها أو في داخلها .
وهذا التمني الذي تدل عليه "لو"سببه عصيانهم وكفرهم بالأنبياء ، وشهادة النبيين عليهم بالتبليغ وشهادة جوارحهم عليهم بالارتكاب ، وقد قال سبحانه من بعد ذلك:
{ ولا يكتمون الله حديثا}أي لا يكتمون يوم القيامة حديثا من أحاديث أنفسهم ، فكل ما يجول بخاطرهم تنطق به ألسنتهم وجوارحهم ، وإذا كذبت الألسنة صدقت الجوارح ، وقوله تعالى:{ ولا يكتمون الله حديثا}عطف على{ يود}في النص السابق ، والمعنى أنهم يودون لو تسوى بهم الأرض ، ولا يكتمون مع ذلك حديثا ، أي حال التمني هذه ربما كانت تسوغ لهم الكذب ، ولكنهم مع ذلك لا يكتمون منه ، وإن كذبت الألسنة شهدت سائر الأعضاء .
وقيل إن الواو في قوله تعالى:{ ولا يكتمون الله حديثا} للحال ، والمعنى على هذا:أنهم يودون أن تسوى بهم الأرض ، والحال أنهم مع ذلك لا يكتمون حديثا من أحوالهم في الدنيا . والمؤدى على التخريجين واحد ، فلا مناص من ثبوت جرائهم . وشهادة الأنبياء بالتبليغ . اللهم إنا نضرع إليك أن تجنبنا الزلل ، وأن تغفر لنا خطايانا ، وأن تغمرنا برحمتك يوم المطلع والحساب والعقاب ، كما غمرتنا بها في الدنيا ، فإنك الغفور الرحيم .