{ وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا}
/م60
إذا قيل لهؤلاء الذين ضعف إيمانهم فلم يذعنوا للحق ، ولم يخضعوا لحكم الله:تعالوا وأقبلوا على الخضوع لله تعالى ولحكمه- رأيت الذين اتسموا بالنفاق منهم يعرضون عنك إعراضا شديدا ؛ وذلك لأنهم لمرض النفاق في قلوبهم ينفرون من العدل والحق نفورهم من الإيمان الصريح الذي لا دخل فيه{[752]} ، ومن الطريق المستقيم الخالي من العوج .
وفي الآية الكريمة إشارتان بيانيتان:
إحداهما:التعبير بقوله تعالى:{ إلى ما أنزل الله وإلى الرسول} فإن هذا يبين لهم أنهم يتركون الحكم المنزل من السماء من عند الله إلى حكم الأرض وأهواء أهلها ، ويبين لهم أن الرجوع في الحكم إلى الرسول هو رجوع إلى حكم الله الذي ينطق به رسوله الأمين ، وأن امتناعهم عن ذلك إنكار للرسالات الإلهية مع أنهم من أهل الكتاب ، الذين يعتزون على العرب بأنهم يؤمنون بشرائع السماء وغيرهم أميون ! ! ثم يبين ذلك أن الخضوع لحكم الرسول خضوع لحكم الله تعالى وما أنزله الله ، فالمعترض على حكم الرسول معترض على الله سبحانه وتعالى .
الثانية:في قوله تعالى:{ رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا} فإنه يشير إلى أن الذين يعرضون عن حكم الله تعالى وينفرون منه هم المنافقون الذين يسرون ما لا يظهرون ويخفون ما لا يبدون ، فالإعراض عن حكم الله تعالى سمة من سمات النفاق أو بالأحرى أوضحها وأبينها .
والنص يشير مع هذا إلى أن الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت فريقان:فريق ضعيف الإيمان ، وفريق منافق ، وأن المنافقين من بينهم شديدو النفرة والإعراض . اللهم إلا أن يقال إن ذلك إظهار في موضع الإضمار ، أي أن الذين يزعمون أنهم آمنوا بالله وبالرسول ، الذين يرتضون حكم الطاغوت هم منافقون ، وهو بسبب نفاقهم يعرضون عن حكم الله إعراضا شديدا ، فهم طائفة واحدة ! وأظهر وصفهم ليعلم أنه علة إعراضهم ، وهذا ما نرتضيه ، ويتفق مع قوله تعالى من قبل{ يزعمون أنهم آمنوا} .