{ فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا}
/م60
إذا كان أولئك المنافقون يصدون ذلك الصدود ، ويعرضون هذا الإعراض ، فلينظروا إلى حالهم عندما تصيبهم مصيبة بسبب تركهم التحاكم إلى القانون العادل والحاكم العادل ، كيف تكون حالهم عندما تنزل بهم مصيبة الظلم وعدم الخضوع لقانون عادل يرد الحق إلى نصابه ! وذلك أن الذي يترك القانون الذي لا يخضع لهوى ، والقاضي الذي لا يخضع لغرض ، ولا ينحرف عن الحق لأي غرض من أغراض الدنيا- تنزل به مصيبته لا محالة ، وهي الاضطراب ، وعدم الاطمئنان إلى حكم حاكم ، والجماعة التي تترك الحكم المستقيم إلى الحكم المعوج الذي يستمد من الطغيان والظلم ، لا بد أن تنزل بها مصيبة التفرق والانقسام ، وعدم التواصي بالحق . فالقرآن يشير للمنافقين بهذه النتيجة ، بل ينبئهم فيقول لهم:كيف تكون حالكم إذ تصيبكم مصيبة التظالم ، وأكل بعضكم مال بعض ، ونفرة الرسول منكم ، وظهور أمركم وانكشاف حالكم ، وذلك بما قدمته أيديكم من ترك للحق وعدم خضوع له ! والتعبير"بما قدمت أيديكم"يبين ما سبق من أمرهم ، وإن لم يكن باليد ، لأن اليد مظهر العمل ، فهي كناية عن عمل الإنسان ، وإن كان باللسان أو القلب .
ثم إنهم بعد أن تصيبهم مصيبة الباطل وانكشاف أمرهم ، ونفرتك منهم- جاءوك يعتذرون إليك ويوثقون اعتذارهم بالحلف بالله تعالى قائلين:ما أردنا بالمخاصمة لغيرك إلا إحسان المعاملة والتوفيق بين الخصوم .
والمعنى الجلي للنص السامي:تكون حالهم إذا نزلت بهم النازلة التي تترتب على تركهم حكم الله إلى حكم الطغيان ، ثم جاءوا إليك معتذرين عما سبق منهم ، قائلين حالفين بالله أنهم ما قصدوا الإعراض ، بل أرادوا التوفيق ، والمعاملة الحسنة ! ! .
والتعبير ب"ثم"في هذا المقام ، يشير إلى التباين بين حالهم في الإعراض والصدود ، وإقبالهم بالاعتذار والحلف والازدلاف .