أقول:أشار الأستاذ رحمه الله تعالى في الدرس إلى اختلاف المفسرين في الآية وإنما تناقلوا الخلاف فيها لأنه روي عن بعض السلف فيها فهم شاذ فتبعه بعضهم فيه ، وهو قول الحسن أن قوله تعالى:{ فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم} جملة معترضة بين ما قبلها وما بعدها والمعنى:رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ثم جاءك يحلفون بالله الخ أي إذا دعوا إلى ما أنزل الله وإليك يصدون عنك في غيبتك ، ثم يجيئونك يعتذرون ويحلفون في حضرتك ، فكيف إذا أصابتهم مصيبة أي كيف يكون حال تلك المصيبة والشدة .وقال الرازي أن الواحدي قد اختار هذه الرواية ، وأقول لا عجب إذا اختارها ، وإن كان النظم الكريم يتبرأ منها ، وقد خطرت في بال من هو أحسن منه فهما للكلام ، وهل عثر متقدم عثرة ولم يعثر وراءه فيها كثير من المتأخرين لو تكلفا للعثار ؟ ثم إن بعضهم حمل الكلام هنا على معنى الآيات الواردة في المنافقين عامة ، وخلط بين الآيات الواردة في الوعد ببيان نفاقهم ، وإغراء النبي صلى الله عليه وسلم بعقابهم ، وفي الذين يتخلفون منهم عن الخروج معه صلى الله عليه وسلم إلى الجهاد ثم يعتذرون إليه بعد ذلك كما هو مفصل في سورة التوبة وسورة الأحزاب ، وكل ذلك من التوسع الذي يضيع معه المعنى المتبادر من الآية وهو:
فكيف يكون حال هؤلاء المنافقين أو حالهم وحال أمثالهم ، أو كيف يكون الشأن في أمرهم إذا أصابتهم مصيبة بسبب ما قدمت أيديهم أي ما عملوا من السيئات بباعث النفاق الظاهر ، والخبث الباطن ، فإن الأعمال السيئة تترتب عليها آثار سيئة ، وتكون لها عواقب ضارة لا يمكن كتمانها ، ولا يستغني صاحبها عن الاستعانة فيها بقومه وأولياء أمره ، فالآية تنذر جميع المنافقين الذين يستخفون من الناس بأعمال النفاق مبينة أن هذه الأعمال لابد أن يترتب عليها بعض المصائب التي تفضح أمرهم ، وتضطرهم إلى الرجوع إلى النبي والاعتذار له ، والحلف على ذلك ليصدقه ، فإنهم يشعرون بأنهم متهمون بالكذب .أو كيف تعاملهم في هذه الشدة أيها الرسول بعد علمك بما كان من صدودهم عنك ، في وقت الاستغناء عنك ، هل تعطف عليهم وتقبل قولهم إذا أصابتهم المصيبة التي يستحقونها بارتكاب أسبابها .
{ ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا} أي يخادعونك بالحلف بالله إنهم ما أرادوا بما عملوا من الصدود أو من الأعمال المنكرة والمعاصي التي ترتبت عليها المصيبة إلا إحسانا في المعاملة وتوفيقا بينهم وبين خصمهم بالصلح أو الجمع بين منفعة الخصمين ، وقالوا نحن نعلم أنك لا تحكم إلا بمرّ الحق لا تراعي فيه أحدا ، فلم نر ضررا في استمالة خصومنا بقبول حكم طواغيتهم والتوفيق بين منفعتنا ومنفعتهم .