/م61
ثمّ في الآية الثّانية يبيّن هذه الحقيقة ،وهي أن هؤلاء المنافقين عندما يتورطون في مصيبة كنتيجة لمواقفهم وأعمالهم ،ويواجهون طريقاً مسدودة يعودون إِليك عن اضطرار ويأس: ( فكيف إِذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثمّ جاؤوك ...) .
ويحلفون في هذه الحالة أنّ هدفهم من التحاكم إِلى الآخرين لم يكن إِلاّ الإِحسان والتوصل إِلى الوفاق بين طرفي الدّعوي: ( يحلفون بالله إِن أردنا إِلاّ إِحساناً وتوفيقاً ) .
وهنا لابدّ من الإِشارة إِلى نقطتين:
الأُولى: أن نرى ما هو المقصود من المصيبة التي تصيبهم ؟
لا يبعد أن تكون المصيبة هي ما ينشأ من مضاعفات ومآسي وويلات من حكم الطواغيت ،لأنّه لا شك في أن الحكم الصادر من الأشخاص غير الصالحين والظالمين وإِن كان ينطوي على منفعة آنية لأحد جانبي الدعوى ،ولكن لا يمضي زمان إِلاّ ويوجب هذا الحكم ظهور الفساد وانتشار الظلم والجور ،وسيادة الهرج والمرج وتبعثر الكيان الإِجتماعي ،ولهذا فإِنّه سرعان ما تواجه هؤلاء المتحاكمين إِلى الطواغيت تبعات ومفاسد عملهم هذا ،وسرعان ما يندمون على فعلهم هذا .
هذا ويحتمل بعض المفسّرين أنّ المراد من «المصيبة » هو الفضيحة التي تلحق بالمنافقين ،أو المصائب التي تصيبهم بأمر الله سبحانه ( كالمآسي والمحن الغير المتوقعة ) .
النّقطة الثّانية: إِنّ مقصود المنافقين من «الإِحسان » هل هو الإِحسان إِلى طرفي الدعوى ،أو إِلى النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟يمكن أن يكون مرادهم كلا الأمرين ،فهم تذرعوا بحجج مضحكة لتحاكمهم إِلى الطاغوت والرجوع إِلى الأجانب ،من جملتها أنّهم كانوا يقولون: إِنّ التحاكم إِلى الرّسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا يناسب شأنه ولا يليق بمقامه ،لأنّ الغالب أن يحصل شجار وصياح في محضر القضاة ومن جانب المتداعيين ،وذلك أمر لا يناسب شأن النّبي ولا يليق بمكانته ومحضره .
هذا مضافاً إِلى أنّ القضاء ينتهي دائماً إِلى الإِضرار بأحد الطرفين ،ولذلك فهو يثير حفيظته وعداوته ضد القاضي والحاكم ،وكأنّهم بأمثال هذه الحجج الواهية والأعذار الموهونة ،كانوا يحاولون تبرئة أنفسهم وتبرير مواقفهم الباطلة ،وادعاء أنّ تحاكمهم إِلى غير النّبي كان بهدف التخفيف عن النّبي .
وربّما اعتذروا لذلك قائلين: إِنّ هدفنا لم يكن مادياً في الأساس ،بل كان التوصل إِلى وفاق بين المتداعيين .