{ وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدّون عنك صدودا} صرح في هذه الآية بما دلت عليه التي قبلها من نفاق هؤلاء الذين يرغبون عن حكم كتاب الله وحكم رسوله إلى حكم الطاغوت من أصحاب الأهواء وناهيك بمن فعل ذلك في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وحكمه لا يكون إلا حقا ما بينت الدعوى على حقيقتها لأن الحكم بحسب الظاهر ، وأما حكم غيره بشريعته فقد يقع فيه الخطأ بجهل القاضي بالحكم أو بتطبيقه على الدعوى .يقول تعالى وإذا قيل لأولئك الذين يزعمون أنهم آمنوا وهم يريدون التحاكم إلى الطاغوت:تعالوا إلى ما أنزل الله في القرآن لنعمل به ونحكمه فيما بيننا وإلى الرسول ليحكم بيننا بما أراه الله رأيت المنافقين أي رأيتهم وهم المنافقونجاء بالظاهر بدل الضمير ليبين حالهم وحال أمثالهم بالنص ويبني عليه ما بعده وهو أثرهيصدون عنك صدودا أي يعرضون عنك ويرغبون عن حكمك إعراضا متعمدا منهم .وهو هنا من"صد "اللازم .والآية ناطقة بأن من صد وأعرض عن حكم الله ورسوله عمدا ولا سيما بعد دعوته إليه وتذكيره به فإنه يكون منافقا لا يعتد بما يزعمه من الإيمان وما يدعيه من الإسلام ، وهي حجة الله البالغة على المقلدين لبعض الناس فيما استبان حكمه في الكتاب والسنة ولا سيما إذا دعوا إليه ووعظوا به .قال الأستاذ الإمام:إن الحامل لهم على هذا الصدود هو اتباع شهواتهم وإلفتهم للباطل ، وعدو الحق يعرض عنه إعراضا شديدا .
قال:ثم أراد تعالى أن يبين سخافتهم وجهلهم وعدم طاقتهم بالثبات على هذا الصدود فقال:{ فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم} الخ أي لو عقلوا لالتزموا ما أظهروا قبوله من الإسلام وعملوا بمقتضى ما ادعوه من الإيمان ليتم لهم الاستفادة منه لأن العاقل يعلم أن تلك الحال التي اختاروا فيها التحاكم إلى الطاغوت لا تدوم لهم ، وأنه يوشك أن ينتقلوا منها فيقعوا في مصاب يضطرهم إلى الرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليكشفه عنهم ، وأن يعتذروا عن صدودهم بأنهم ما كانوا يريدون بالتحاكم إلى غير الرسول إلا إحسانا وتوفيقا ، كأنه يقول:فكيف يفعلون إذا أطلعك الله على شأنهم في إعراضهم عن حكم الله والتحاكم إليه وتبين أن عملهم يكذب دعواهم الإيمان ؟ إنهم إذا يستحقون العقوبة والإذلال ليكونوا عبرة لغيرهم .وذهب أبو مسلم إلى أن في الآية بشارة بأن المنافقين سيقعون في مصيبة تفضح أمرهم ، وتكشف سرهم ، وهل يتوبون حينئذ ويجيئونك أم لا ، ويقول غيره ليس المراد بذلك البشارة بشيء سيقع ، وإنما هو بيان ناجز لأمرهم ، وإيذان بمؤاخذتهم وإذلالهم ، وإراءتهم أنهم سفهاء الأحلام ، مستحقون لما يعاتبهم به النبي عليه السلام .