{ أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم}
/م60
أولئك النافرون عن حكم الله تعالى إلى حكم الطغيان والهوى والشيطان ، وهم يزعمون أنهم من أهل الإيمان يعلم الله تعالى ما يستكن في قلوبهم ، وما يدفعهم إلى أعمالهم وخروجهم عن حكم الحق إلى حكم الهوى . والإبهام في قوله تعالى{ يعلم الله ما في قلوبهم} للإشارة إلى خفائه إذ يخفونه ويبدون غيره ، وإلى أنه شيء كثير من الفساد والإنحراف النفسي يُحكمون إخفاءه ، وإلى تنوعه من رغبة في الكيد والأذى ، والتفريق بين المؤمنين وممالأة المشركين وغير ذلك .
وإذا كان الله يعلم ما في نفوسهم علما دقيقا ، لا يغيب عنه شيء ، لأنه وحده العليم بذات الصدور الذي لا يخفى عليه شيء في السماء والأرض ،فإنه سبحانه وتعالى مجازيهم في الآخرة بأعمالهم ودوافعها المكنونة في قلوبهم ، إن استمروا على حالهم ولكن عليك أنت أيها الرسول أن تبلغهم الحق ، وتدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة .
{ فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا} أي:إذا كانوا كذلك من السوء فأعرض عنهم . وفي هذا النص بيان لطرق علاج المنحرفين غي نفوسهم إذا كانوا صالحين للعلاج ، وهذه الطرق ثلاث مراحل متداخلة:
أولها:الإعراض عنهم بألا يقبل عليهم ليشعروا باستنكاره لأعمالهم ، وأنه غير راض عنهم ، وذلك في غير جفوة ، لأنه إذا كانت الجفوة كان العناد فلا يمكن أن يصل إلى المرحلة الثانية . وهذه المرحلة الأولى هي التي عبر عنها سبحانه بقوله تعالى:{ فأعرض عنهم} .
الثانية:الوعظ ، وهو الزجر من التخويف بسوء العاقبة والمآل ونتائج أعمالهم ، فإن ذلك قد يدفعهم إلى التفكير ، ومع التفكير في العاقبة ينفتح باب الهداية وسلوك الطريق المستقيم .
الثالثة:الاتجاه إلى جذبهم بقول بليغ يصل إلى قلوبهم ، بأن يبين لهم العاقبة الحسنى في العمل الحق ، والخضوع لحكم القرآن المشتمل على شريعة الرحمن ، ومعنى قوله تعالى:{ قولا بليغا} أنه يبلغ إلى كنه ما في قلوبهم ، فيصل إلى أعماقها ويوجههم توجيها حسنا إلى ما فيه صلاح في الدنيا والآخرة ، وذلك بأن يورد النبي صلى الله عليه وسلم القول على طريقة تجعلهم يقبلون قوله ولا ينفرون ، فيقربهم ويدنيهم ، ويأتيهم من قِبَل ما يألفون إن كان حقا .
وإن القول البليغ الذي يصل إلى كنه القلوب ، يجب أن تتحقق فيه ثلاثة أوصاف:أولا:أن يكون المطلوب حقا ، والثاني:أن يكون اللفظ مستقيما ، والمعنى سليما ، فلا يصل إلى الحق إلا بالحق ، والثالث ، أن يكون القول منبعثا من النفس ، بحيث يؤمن القائل بصواب ما يقول فإنه لا يؤثر إلا المتأثر .
هذه طرق الدعوة إلى الحق ، هدانا الله إلى الطيب من القول وهدانا إلى صراط الحميد .