{ فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا}
/م97
إن هؤلاء الذين استضعفوا حقا وصدقا بسبب ضعفهم ، عسى أن يعفو الله عنهم ، أي يرجى أن يكونوا محل عفو الله تعالى ، فلا يؤاخذهم برضاهم بالبقاء في أرض الذل ، فالفاء هنا هي فاء السببية ، أي أن السبب في أنهم محل عفو الله ، ورجاء العفو لهم ، هو ضعفهم . وهنا بحثان تشير إليهما الآية الكريمة:
أولها:أن الهجرة هي الأمر المفروض الذي لا مناص منه إلا عند العذر الشديد ، وإن الأعذار يقدرها أصحابها . ومع وجودها يرجى لهم العفو ، ويرجونه ويقول الزمخشري:إن هذا يدل على أن ترك الهجرة أمر مضيق لا توسعة فيه ، حتى إن المضطر البين الاضطرار من حقه أن يقول:عسى الله أن يعفو عني . وهذا كله معناه أن الأصل هو الهجرة .
ثانيهما:أن الأمور التي يرخص بها في مقابل واجب مفروض ، لا تكون مباحة في ذاتها ، بل تكون في مرتبة العفو ؛ لأن المباح يكون مطلوبا على وجه التخيير ، وهذه لا طلب فيها ، بل رخص بها في الترك ، والأصل وجوب الهجرة .
وقد ختم سبحانه وتعالى الآية بأنه كثير العفو عن عباده في الرخص التي يرخص لهم بها ، كثير المغفرة لمن تاب وأناب ، والله سبحانه وتعالى رحيم بعباده .