{ ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به}
/م13
في الآيات السابقة بين الله الميثاق الذي أخذ على بني إسرائيل ونقضوه ونسوا حظا مما ذكروا به ، وفي هذا النص الكريم يذكر سبحانه وتعالى الميثاق الذي أخذ على قوم عيسى عليه السلام ، وهو يشمل ما جاء به ذلك النبي الكريم ، والرسول الأمين صلى الله عليه وسلم من بيان وحدانية الله تعالى ، وأنه ليس بوالد ولا ولد ، وأنه ليس له صاحبة ، ومن إحياء للتوراة الحقيقية ووصاياها وتكليفاتها ، وقد صدق الصادق منها .
ولكن النصارى نسوا حظا مما ذكروا أي نسوا قدرا كبيرا هو لب الديانة المسيحية ، وهو التوحيد ، وكثير من وصايا عيسى عليه السلام ، وما دعاهم إليه من تسامح وحب للسلام .
وسبب نسيان حظ أي نصيب كبير مما ذكروا به هو اضطهاد النصارى اضطهادا شديدا في عهد الرومان حتى ضاعت كتبهم ، ولم يعرف شيء منها إلا قليل غير سليم بعد مائتي سنة من ترك المسيح هذه الدنيا ، ثم ظهرت هذه الأناجيل التي يتدارسونها ولا يزالون يغيرون ويبدلون فيها حسب الطبعات المختلفة ، بعد أن دخل قسطنطين إمبراطور الرومان فيها ، وغير وبدل في مجمع نيقية الذي انعقد في سنة325ميلادية ، وقد ذهب لب الديانة وهو التوحيد .
وهنا نكتة بيانية أساسها بيان السبب في أن الله تعالى عبر عنهم بقوله تعالت كلماته:{ الذين قالوا إنا نصارى} ولم يقل النصارى للإشارة إلى أن ادعائهم النصرانية التي هي الدين الذي دعا إليه المسيح عليه السلام قول يقولونه بأفواههم ولا يتبعونه بقلوبهم ، إذ هجروا لب تعاليم المسيح وهو الوحدانية .
{ فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة} "الفاء"هنا للسببية أي أنهم بسبب نسيان كتبهم وذهاب مصدر دينهم اختلط الباطل بالحق فيما يعتقدون فتفرقوا شيعا ، وكانت بينهم العداوة ، فمن قائل إن المسيح إله وهو ابن الله ، ومنهم من قال إنها بنوة نعمة ومنهم القائلون بالحق وهم الذين أنكروا ألوهيته كأريوس وأتباعه ثم الذين قالوا بالألوهية اختلفوا أولدت مريم اللاهوت من الناسوت ، أم ولدت الإنسان فقط ، ثم اختلفوا في الإرادة التي تكون من المسيح أتكون منهما أو من أحدهما وكل فرقة تكفر الأخرى وتعاديها وتضطهدها وترميها بالكفر ، حتى إن الملكانيين كانوا يذيقون اليعقوبيين سوء العذاب ، ولم ينقذهم من أيديهم إلا الحكم الإسلامي العادل الرشيد ، وكانت العداوة في العصور الأخيرة بين الكاثوليك والإنجيليين ، وأريقت فيها الدماء ، وإن تلك العداوة ستستمر إلى يوم القيامة ، وهنا بحث بياني وهو التعبير بأغرينا ، فإن الإغراء من الغراء وهو ما يلصق به ، والمعنى كان الالتصاق والارتباط الذي يربطهم عداوة ظاهرة بالجدل أو المحاربة وبالكراهية المستكنة بالنفس وهي البغضاء أي البغض الشديد الذي يسكن القلب ولا علاج له ، وقد بين الله سبحانه وتعالى عاقبتهم بقوله:
{ وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون} أي أنهم يستمرون في ريبهم يترددون وفي عداوتهم يلجون ، حتى يوم القيامة وفي هذا يخبرهم الله تعالى الخبر العظيم بنتيجة ما كانوا يعملون ويصنعون من غير تفكير ولا تدبر وسوف هنا لتأكيد الخبر ، وبيان أنه وإن تأخر آت لا محالة . . اللهم ألهمنا قول الحق والنطق به ، وقنا شرأهل العداوة والبغضاء من عبيدك ، إنك سميع الدعاء .