وقد بين سبحانه وتعالى الغاية الكبرى من رسالته إلى أهل الأرض ، ومن النور الذي جاء به الرسول والكتاب الذي أنزله ، فقال:{ يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام} .{ يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام}
/م15
هذه هي الثمرات التي ترجى من الرسالة الإلهية إلى أهل الأرض ، وكونها نور يهتدي به الساري ، وفيه شريعة قائمة في كتاب محفوظ إلى يوم القيامة ، وهذه الثمرات ثلاث أولها:هداية إلى الحق ، وإخراج من الظلمات إلى النور ، ويهدي به الله سبحانه إلى صراط مستقيم لا عوج ولا أمت .
أما الأولى:فقد عبر الله سبحانه وتعالى عنها بقوله تعالت كلماته:{ يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام} والضمير في قوله تعالى:{ به} يعود إلى مجموع ما ذكر أو يعود إلى القرآن وحده والظاهر ذلك لأن الضمير يعود إلى أقرب مذكور ، وفي عود الضمير إلى القرآن تضمين لكل ما ذكر ، لأن القرآن هو وعاء الشريعة وحجة النبي صلى الله عليه وسلم القائمة إلى يوم القيامة ، وهو مصباح النور المحمدي الذي لا ظلام فيه ، وقد ذكر سبحانه من يهتدي بالقرآن وموضع الهداية ، فليس كل إنسان أهلا لهداية القرآن والانتفاع به ، فإن من يهتدي لا بد أن يكون فيه عقل يدرك لم تظله غشاوة رانت عليه ، وبصيرة نافذة ، وقلب قد استقام لطلب الحكمة وقد ذكر سبحانه أن الذي يهتدي بالحق والنور الكاشف من اتبع رضوانه واتباع رضوان الله تعالى:طلبه ذلك الرضوان ، ومعنى طلب ذلك الرضوان:أن يكون قلبه مخلصا لطلب الحق ، لم يرنق قلبه بغرض باطل أو أهواء مردية أو انحراف في طلب عن الغاية ، بل يتجه اتجاها مستقيما إلى الحق لا يبغي سواه ، ولا يطلب إلا رضوان الله تبارك وتعالى ، فإن الإخلاص يجعل العقل يشرق والقلب يمتلئ بالحكمة .
وأما ما يهتدي إليه فهو سبل السلامة والصفاء وعدم وجود البغضاء فالسلام هو:السلامة من كل أدران الحقد والحسد ، والسلامة من كل ما يؤدي إلى البغضاء والعداوة وسبلها هو الأعمال الصالحة فيعمل للدنيا بأخلاق مستقيمة ، ونفس لا يخالطها فساد ولا تستولي عليه الشهوات فيكون مع الناس في أمن وسلام ، وفي الآخرة يكون في دار السلام ، كما قال تعالى في شأن المتقين المهتدين:{ لهم دار السلام عند ربهم . . . ( 127 )( الأنعام ) وكما قال تعالى:{ تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما ( 44 )}( الأحزاب ) .
وأما الثانية:فقد عبر عنها تعالى بقوله:{ ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه} ومرجع الضمير هنا هو مرجع الضمير في الجملة السامية السابقة ، فالقرآن والنور والهداية المحمدية كل هذا يخرج الناس من ظلمات الباطل إلى النور الواضح بإذن الله تعالى وبعلمه وتقديره ، فالإذن هنا معناه العلم والإرادة ، أي أن ذلك الإخراج من ظلمات الضلالة إلى نور الهدى بعلمه تعالى وإرادتهوإرادته لا تكون إلا على مقتضى حكمته في خلقه وهو العزيز الحكيم اللطيف الخبير السميع البصير تعالت أسماؤه الحسنى .
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى الضلال بالجمع والنور بالإفراد ، وذلك لأن طرق الشيطان مختلفة وكل طريق منها ظلمة في ذاته ، فالشرك ظلمة والبغضاء ظلمة والمعصية ظلمة وأكل مال الناس ظلمة ، ووأد البنات ظلمة واسوداد الوجه بالكآبة عند ولادة المرأة ظلمة ، والظلم ظلمات قد تعددت فنونه ، وتباينت أقسامه والنور والقرآن والهدى المحمدي هو الذي يكشف هذه الظلمات وينير الطريق للخروج بإذن الله تعالى وعلمه وإرادته يخرجهم النور من هذه الظلمات المتكاثفة .
وأما الثالث:فقد قال تعالى:{ ويهديهم إلى صراط مستقيم} والمعنى أن الله تعالى يهدي طالب إلى طريق المستقيم لا التواء فيه ، والهداية في الحقيقة من الله تعالى ، فهو الذي يهدي ويرشد والمهتدى هو من يطلب الحق إرضاء لله تعالى ، ونسبت الهداية إلى القرآن لأنه الذي اشتمل على ما فيه الهداية من أحكام وفضائل وبيان لمعنى الرسالة الإلهية ولأنه هو المعجزة الكبرى للنبي صلى الله عليه وسلم ، والطريق المستقيم هو دين الله تعالى القيم ، دين التوحيد دين الإسلام والتسليم والتفويض لله تعالى بعد القيام بالعمل ، وهو دين الخير في الدنيا والآخرة ، فمن اتبعه فقد رشد ومن تركه فقد ضل ، وهو وإن تعددت أنواع العمل طريق واحد موصل للغاية من أقرب اتجاه ، وهو طريق الله تعالى ، وقد قال تعالى:{ وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ( 153 )}( الأنعام ){[893]} . اللهم اهدنا صراطك المستقيم .