{يَهْدِى بِهِ} أي بالقرآن ،{مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ} في حركة الإيمان في وجدانه الفكريّ ،وفي التزامه العمليّ ،وفي انفتاحه على الحياة من خلاله ،بحيث يكون دوره في الانتماء القرآني دور الاتباع الَّذي يُمثِّل الخط الحركي الَّذي يفتح للإنسان أكثر من خط على الطريق المستقيم ،{سُبُلَ السَّلامِ} لأنَّ الوحي الإلهي يُمثِّل الدعوة إلى السلام كله في سلام الإنسان مع ربِّه ونفسه ،ومع الإنسان الآخر ومع الحياة في مفردات الشريعة ومفاهيم العقيدة ومناهج العمل ،فلا يعيش الإنسان حالة القلق النفسي والتمزق الروحي والحرب الداخليّة والخارجيّة ..وهكذا ينطلق المتَّبع لرضوان اللهبواسطة الوحي القرآنيليصنع السلام لنفسه في الدنيا والآخرة في جسده وروحه ،وللإنسان كله ،وللحياة كلها ،لأنَّ الإسلام يفرض عليه ذلك ،وهذا ما توحي به تحية الإسلام الّتي يوجهها كل مسلم إلى الآخرين «السلام عليكم » حتَّى في داخل الجنّة ،وما يتمثّل في الاسم الَّذي جعله الله لها «دار السلام » .{وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ} وعلمه وإرادته ،لأنَّ كل ما يتعلّق بأحوال الإنسان خاضعٌ لقدرته ،فيبتعدون عن ظلمة الجهل إلى نور العلم ،وعن ظلمة الكفر إلى نور الإيمان وتدبيره ،فالله سبحانه وتعالى هو مالك الإنسان على الحقيقة ،وبالتالي مالكٌ لكل شؤونه وأحواله ،لكن ذلك لا يخرج الإنسان من حد المسؤولية في عملية اختياره ،فهو له الاختيار من ضمن ما ملّكه الله من القدرات والإمكانات ،وهيأ له من الأسباب والظروف ،فإذا كان لا استقلال للإنسان إزاء الله تعالى ،بمعنى أنه لا يستطيع أن يتصرف خارج إرادة الله تعالى وعلمه ،فإن ذلك لا يخرجه من عمليّة الاختيار الناشىء من أسبابه الطبيعيّة الخاضعة لله في حركتها العامة ،ومن ظلمة الخرافة إلى نور الحقيقة ،ومن كلمة العبوديّة إلى نور الحريّة ،ومن ظلمة البغضاء والعداوة إلى نور المحبة والصداقة ،وهكذا ينطلق النّاس الَّذين يتبعون رضوان الله إلى النّور المشرق في العقل والقلب والحركة والحياة من خلال إيمانهم ،وليتم الله لهم نوره الَّذي قد تنقصه المعصية في يوم القيامة بإذنه من خلال ألطافه بعباده ،بحيث يأذن لهم بهذا الانتقال من خلال ما يهيئه من وسائله الماديّة والمعنويّة ،{وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ} لا عوج فيه ولا التواء ولا ميل ولا انحراف ،لأنَّه صراط{الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [ البروج:8] .