( قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ )امر الله تعالى نبيه بأن يذكرهم بحال من سبقوهم وأن يروا آثارهم حسا ، ثم يتدبروا فيها كفرا ليعرفوا أين ذهب هؤلاء فيستفيدوا من ذلك ثلاث فوائد:
الفائدة الأولى:
أن يعرفوا أن هذه الحياة التي يعيشون فيها ليس لها دوام ، بل إن لها انتهاء وأنها لا تبقى فيها باقية .
والفائدة الثانية:أن أولئك الأقوام قد مكن لهم في الأرض بما لم يمكن لهم وما منعهم ملكهم الواسع وقوتهم الظاهرة من أن يؤخذوا كما يؤخذ أضعف الضعفاء وان النهاية واحدة لا فرق فيها ، فالدنيا عرض زائل .
الفائدة الثالثة:أن الله عذبهم بالإهلاك في الدنيا بسبب طغيانهم لأن الله تعالى لم يرد أن يجعل منهم حماةلشريعة خالدة فسيجدون في سيرهم أرض ثمود وأرض عاد وما فيهما من بنيان قوض عليهم ، وأرض قوم لوط ، وقد جعل الله تعالى سافلها فإذا كانوا يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعجل لهم العذاب مستهزئين فها هي ذي المثلات والعبر فليعتبروا وإلا فهم قوم بور ، لا يتعظون ولا يعتبرون .
وفي النص بحوث لفظية:
أولها أن الله أمر نبيه أن يخاطبهم هو لأنهم يستهزئون به صلى الله عليه وسلم فكانت المجاوبة منه لهم ، وطلب السير من قبيل الطلب المندوب أو اللازم والنظر كذلك من قبيل الطلب ، والمراد النظر بالرؤية والإبصار ثم بالتدبر والتفكير ، فليس إبصارا مجردا ولكنه إبصار وتفكير ولو كان إبصارا مجردا لكان مقيدا بالغاية منه وهو التفكير والتدبر .
ثانيها:الحكمة في العطف ب ( ثم ) بدل ( الفاء ) والمقام مقام ( الفاء ) كما في قوله تعالى:( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين 69 ) ( النمل ) . فان السياق هنالك يجعل النظر مسببا عن السير ، ومترتبا عليه ، أما هنا فالسير مطلوب في ذاته ، ويجيء النظر المطلوب أيضا كأنه غير مقصود من السير كأنه أمر بدهي هو نتيجة للسير ولم يربط بالسببية بينهما فكان التعبير ب ( ثم ) المفيدة للتراخي وهذا تصريف الله تعالى في آياته:(. . .كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون 85 ) ( الأعراف ) .
ثالثها:معنى ( كيف ) هنا ( حال ) أي انظر حال عاقبة المكذبين بعد موتهم أين البطش الذي كانوا يبطشونه والجبروت الذي كانوا يطغون به وأين المال والبنون وما كانوا يغترون به ؟ .
وذكر الله تعالى ( عاقبة المكذبين ) ولم يقل تعالت كلماته عاقبة المستهزئين لأن التكذيب هو الأصل الذي ترتب عليه الاستهزاء وذكر السبب يتضمن ذكر المسبب .