( وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ) .
في هذا النص الكريم تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم فيما يكون فيه من بلاء وابتلاء ، لقد ابتلى من المشركين بالإنكار والمعاندة وطلب آيات ولا يقصدون إلا المهاترة وقد سبق إنكارهم كل دليل يساق لهم القرآن دليلا ، وتحداهم أن ياتوا بسورة منه فطلبوا آيات أخرى وجاءهم بدليل حسي يدل على أنه مبعوث من رب العالمين وهو الإسراء والمعراج فاتخذوه سبيلا للإنكار ولم يتخذوا منه حجة للإثبات وابتلاه صلى الله عليه وسلم باستهزائهم والسخرية منه ، واتخاذهم القرآن مهجورا . فبين سبحانه أن ذلك شان الدعاة المجاهدين في سبيله فهم ينالهم الاستهزاء وتواليهم أسباب الإيذاء فلا ينتظر أن يجيب الأقوام بمجرد دعوتهم بل ينالهم والمؤمنين أسباب الإيذاء المتوالي والاستهزاء المستمر ، وكذلك الشأن في كل دعوة جديدة فليس محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعا من الرسل فيما يلقاه فكلهم استهزئ بدعوته .
وقد أكد سبحانه الاستهزاء بهم في قوله:( ولقد استهزء رسل من قبلك ) أكده سبحانه ب ( قد ) وب ( اللام ) .
وإن الله لا يترك الظالمين يعيثون في الأرض فسادا ويؤذون أهل الإيمان ولذلك لا بد أن ينزل بهم عقاب هذه السخرية في الدنيا والآخرة ولذلك قال سبحانه:
( فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ) .
( الفاء ) هنا فاء السببية أي بسبب هذا الاستهزاء نزل ما نزل من عذاب بأمر الله وبأيدي المؤمنين قال الراغب الأصفهاني ، إن ( حاق ) مأخوذة من ( حق ) قلبت فيها إحدى القافين حرفا لينا كالتظنن تقلب إحدى النونات ياء ، فيقال ( التظني ) وهذا المعنى يشير إلى أن ما يحيق بهم من نتائج السخرية هو حق عليهم يؤخذون به .
والأكثرون من علماء اللغة:على أن حاق بمعنى أحاط ولا تكون إلا في الشر ، والمعنى أحاط بهم الأثر المؤلم لهم لسخريتهم . وهنا إشارتان بيانيتان:
أولاهما:أن الله ذكر أنه يحيق بالذين سخروا ولم يقل بالساخرين للإشارة على أن ما يصابون به من العذاب إنما هو بسبب سخريتهم لأن التعبير بالموصول يفيد أن الصلة هي علة الحكم وللإشارة إلى أن العذاب نتيجة السخرية .
ثانيهما:أنه تعالى قال:( فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ) وانما الذي حاق هو العذاب لا ذات السخرية ويقول العلماء:إن ذلك مجاز علاقته السبيية فهو عبر بالسبب وأراد المسبب ، وان ذلك يفيد أن العذاب ملازم لهذه السخرية لا ينفصل عنها فحيث كانت كان عذابها لا محالة .
والعذاب الذي ينزله الله تعالى بالساخرين قسمان:عذاب بهلاك أو بآفات سماوية كما أرسل على فرعون وقومه الجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات والآخر بأن يمن على أولئك الذين يسخر منهم بالقوة والنصر والتأييد على كل من المستهزئين الساخرين كما كان الأمر بالنسبة للمشركين الذين كفروا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم .