ويحسم القرآن في الآية الأخيرة الموقف ،فليس الأسلوب الذي يواجه النبيّ به أساليب سخرية الكافرين جديداً في ساحة الرسالات ،بل هو الأسلوب المتكرر مع كل رسالة ،ومع كل رسول:{وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} .
وفي هذا السياق يندرج سؤال المعاندين للحقيقةحسب الآيةالنبي أن ينزل عليهم كتاباً في قرطاس ليلمسوه بأيديهم ،حيث إن هذا الطلب لا معنى له ،لأنهم لا يملكون معرفة الكتاب النازل من السماء أو الكتاب الذي يكتب في الأرض ليميزوا هذا عن ذاك ..ثم إن الآية تؤكد أن اقتراحهم ليس إلا من باب الاستهزاء والتسويق والمماطلة ،ذلك أن النبي لو استجاب لهم وجاء بكتاب يملك المواصفات السماوية المميزة ،لقالوا إنه سحر مبين ،لأن الأسلوب الذي يتحركون فيه هو الأسلوب الذي يريد الانتقال من طلب إلى طلب دون الوقوف عند حدٍّ معين ،إذ ينتقلون إلى إنزال الملك عليه ،والسؤال هنا: هل يحل ذلك المشكلة ،أو أنهم يميّعون المسائل بطروحات لن يقبلوا بها حتى لو استجاب الله لهم فيها ؟
من وحي الآية
إن مشكلة هؤلاء هي أنهم يتهمون النبي( ص ) بالسحر ،فيهزأون منه وهم مطمئنون إلى أن النتائج سوف تكون في صالحهم لأنهم قادرون على هزيمة الموقف النبوي ،ولكن الله يحدد له النتيجة بأن الله الذي أرسل النبي سوف ينزل بهم العذاب الذي يحول حياتهم إلى جحيم في نار جهنم ،ويندمون حينها على ما سلف من أيامهم وعلى ما سخروا به من النبي والحقيقة والرسالة .
إن استيحاء هذا الأمر ،يفرض على العاملين في خط الدعوة إلى الله أن يواجهوا أمر أمثال هؤلاء بوعي ويقظة ،ليعرفوا كيف يسقطون سخريتهم ويتغلبون على كل أساليبهم غير المسؤولة ،لأن القضية في حركة الدعوة هي قضية دراسة الخلفيات النفسية والحركية والواقعية التي تحكم سلوك هؤلاء الناس في تعاملهم مع حركة الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله من منطلق الخلفيات الكامنة في العقل والروح والحياة .
ولكن ،مهما امتدت أساليب السخرية وتنوّعت ،فإن الله سينزل بكل هؤلاء العقوبة التي تحوّل سخريتهم إلى مصير أسود يلاقونه في الدنيا والآخرة وبئس المصير ،