( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) الإثم هو ما يبطئ عن الخير وأطلق على كل شر إثم وعلى كل مخالفة لأمر الله تعالى إثم ، وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم أن الإثم يبتدئ من القلب ولذا قال فيما رواه مسلم ، ( البر حسن الخلق ، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس ){[1047]} .
وقد جاء النص السامي في هذا الموضع الذي يذكر فيه إباحة الذبائح التي ذكر فيها اسم الله للإشارة على أن الأساس في الذبائح وغيرها ، وهو ترك الآثام فذكر اسم غير الله إثم ظاهر وهو شرك واجب تركه ، وإن بجوار ترك الإثم الظاهر إثم باطن ، وهو ما يتعلق بالنفس من حقد وحسد ، ورغبة في الشر ، والدس ، والنميمة والغيبة ، والهم بالشر ، بحيث لا يكون التخلف عنه بقدرته ، بل يكون بأمر خارج عن إرادته والشرور قسمان:شرور ظاهرة كالقتل والزنى والقذف وشرب الخمر والسرقة ، وقطع الطريق والمجاهرة بالمعاصي ، وشر خفي وهو أن تركس النفس في الآثام فلا يكون في النفس ، إلا عزم على الشر أو إخفاء الضغن على الناس وألا ينوي الخير ، وأن يفعل الأمر الحسن مرائيا وأن يزكى ويصلي مرائيا وذلك هو الشرك الخفي كما قال صلى الله عليه وسلم:( من تصدق يرائي فقد أشرك ){[1048]}
وقد حرم الله الإثم الظاهر والخفي في هذه الآية فقال تعالى:( وذروا ظاهر الإثم وباطنه . . .120 ) أي اتركوا الاثم في ظاهره وباطنه ، وعبر عن الإثم الخفي بباطنه لأنه مستور في باطن النفس غير معلوم والإثم واحد في الحالين ، ظهر أو بطن ولقد قال تعالى:( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ33 ) ( الأعراف ) .
وفي هذه الآية سمى الإثم فواحش لأنه زيادة عن الفطرة زيادة فاحشة فما من معصية الا كان فيها خروج فاحش على الفطرة .
( إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ ) هذا هوالجزاء الذي كتبه الله تعالى لمرتكبي الآثام ما ظهر منها وما بطن والذين يكسبون الإثم سواء اكانوا يكسبونه بجوارحهم الظاهرة أم يكنونه في نفوسهم مع اعتزاله ، والحرص عليه ، ( سيجزون بما كانوا يقترفون ) و ( السين ) هنا لتأكيد الوقوع في المستقبل ، وعبر سبحانه وتعالى بالموصول للإشارة إلى أن الصلة سبب الجزاء ، وأن الجزاء يعم كل من يفعل ، وكسب الاثم ارتكابه بقصد وإصرار عليه ، وإغلاق باب التوبة ، والكسب يجعله يسكن في النفس حتى يصير لونا من ألوانها أو تعزيزه والملكة فيها ، فلا يقال إنه كسب السوء ، من يفعله مرة أو مرتين عن جهالة ثم يتوب من قريب .
وقال تعالى في الجزاء:( سيجزون بما كانوا يقترفون ) والاقتراف الكسب ويطلق كثيرا على الكسب الآثم ، وقد يطلق في قلة على كسب الخير ، كما في قوله تعالى:( ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور23 ) ( الشورى ) .