/م116
{ وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} الإثم في اللغة القبيح الضار وفي الشرع كل ما حرمه الله تعالى وهو لم يحرم على العباد إلا ما كان ضارا بالأفراد في أنفسهم أو أموالهم أو عقولهم أو أعراضهم أو دينهم أو ضارا بالجماعات في مصالحهم السياسة أو الاجتماعية والظاهر منه ما فعل علنا والباطن ما فعل سرا ، أو الظاهر ما ظهر قبحه أو ضرره للعامة وإن فعل سرا والباطن ما يخفي ذلك فيه إلا عن بعض الخاصة وإن فعل جهرا أو الظاهر ما تعلق بأعمال الجوارح والباطن ما تعلق بأعمال القلوب كالنيات والكبر والحسد والتفكير في تدبير المكايد الضارة والشرور ويجوز الجمع بين هذه الوجوه .ومما يقتضيه السياق مما يدخل في عموم باطن الإثم على بعض الوجوه ما أهل به لغير الله فهو مما يخفى على غير العلماء بحقيقة التوحيد ، ومنه الاعتداء في أكل المحرم الذي يباح للمضطر بأن يتجاوز فيه حد الضرورة وقيل الحاجة وذلك قوله تعالى:{ فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم} ( المائدة 3} وهذه جملة من جوامع الكلام والأصول الكلية في تحريم الآثام حتى قال ابن الأنباري:إن المراد بهذا التعبير ترك الإثم من جميع جهاته أي جميع أنواع الظهور والبطون فيه .وقد خص بعض المفسرين الظاهر بزنا السفاح الذي يكون في المواخير والباطن باتخاذ الأخدان والصديقات في السر ، وكانوا في الجاهلية يستبيحون زنا السر ، ويستقبحون السفاح بالجهر ، وخص بعضهم الظاهر بنكاح الأمهات والأخوات وأزواج الآباء والباطن بالزنا ، والتخصيص بغير مخصص باطل .
{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ} تقدم معنى لفظ الاقتراف في تفسير الآية الثالثة من هذا الجزء ومعنى الجملة:إن الذين يكتسبون جنس الإثم سواء أكان ظاهرا أم باطنا سيلقون جزاء إثمهم بقدر ما كانوا يبالغون في إفساد فطرتهم وتدسية أنفسهم بالإصرار عليه ومعاودته المرة بعد المرة كما يدل عليه فعل الكون وصيغة المضارع الدالة على الاستمرار ، وأما الذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ، فأولئك يتوب الله عليهم ويمحو تأثير الإثم من قلوبهم بالحسنات المضادة لها{ إن الحسنات يذهبن السيئات} ( هود 114 ) فتعود أنفسهم زكية طاهرة ، وتلقى ربها سليمة بارة .