( وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ ) .
إن الوثنيين تحكمهم أوهام باطلة يتوهمونها وتسيطر عليهم أهواء ينسبونها على أوثانهم الذي سماهم الله شركائهم أي الشركاء التي زعموها شريكة لله تعالى في عبادته سبحانه .
وكما موهوا عليهم فأرادوا تحت سلطانه الوهم أن يجعلوا من الحرث والنسل نصيبا لشركائهم كذلك زين لهم شركاؤهم أي أوثانهم في أوهامهم قتل أولادهم .
( زينوا ) أي حسنوا وجعلوه كأنهم زينة لهم ، يتباهون بها ، ( شركاؤهم ) ونقول في معنى الشركاء:أهم الأوثان أم شياطين الجن الذين تغلغلوا في نفوسهم وشاركوهم في إرادتهم ؟ إن قلنا إنهم شياطين الجن الذين وسوسوا لهم ، وزينوا لهم قتل أولادهم . كما زينوا لهم أن يجعلوا لله نصيبا مما ذرا من الحرث والانعام فالآيات تسير من غير تأويل لظاهرها .
وإن قلنا:إن الشركاء هي الأوثان التي جعلوها شركاء لله تعالى في عبادته فإنها أحجار فكيف تحسن أو تزين وهي لا تعقل ولا تتكلم ولا تضر ولا تنفع ونقول إن أوهامهم نحوها من أنها تضر وتنفع وأنهم يريدون إرضاءها وقد توهموا أنها تطالبهم بذلك فإن هذا يكون هو التزيين فوهمهم نحوها هو الذي زين لهم قتل أولادهم وقدم ( قتل ) وهو المفعول على الفاعل وهم ( شركاؤهم ) لأنه ابلغ في التشنيع ، والقتل هو الأمر الذي لا يبرر .
وقال تعالى:( لكثير من المشركين قتل أولادهم ) فعبر سبحانه وتعالى بقوله:( لكثير من المشركين ) فلم ينسب على كلهم بل نسب سبحانه إلى كثير منهم ، وذلك إنصاف القرآن الكريم في حكاية أفعال العباد وقتل الأولادكان عند كثيرين منهم ، وقد نص القرآن الكريم من شناعتهم في ذلك في الكثير من آياته ومنها قوله تعالى:( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم 58 يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون 59 ) ( النحل ) .
وقال تعالى:( واذا الموءودة سئلت 8 بأي ذنب قتلت 9 ) ( التكوير ) .
وكن بعضهم إذا وصل أبناؤه عددا من الأبناء نذر قتل أحدهم كما يروى عن عبد المطلب أنه نذر إذا وصل عدد أبنائه إلى عشرة قتل واحدا منهم فكانت القرعة على عبد الله أبي النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
وكان منهم من يقتل أولاده من إملاق أو خشيته كما قال تعالى:( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم 151 ) ( الأنعام ) وقال تعالى:( ولا تقتلوا أولادكم خشية من إملاق نحن نرزقكم وإياكم 31 ) ( الإسراء ) .فالذين يدعون على منع النسل الآن خشية الإنفاق أو الإملاق يدعون بدعوة الجاهلية لعنهم الله وأخزاهم .
وقد ذكر الله تعالى ما توسوس به الأنفس والأوهام المسيطرة ونهاية ما تؤدي إليه فقال سبحانه:
( ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ) .
( اللام ) للتعليل أو ما يسمونها لام كي ، وهي مع كونها تعليلا هي بيان نتيجة قنل أولادهم ذلك أن النتيجة أن يوقعهم في الردي هو الهلاك فمآل قتل الأولاد سواء أكان بالوأد أو كان بالقتل خشية الفقر ، أو للفقر ، وقد يكون ذلك بالعمل على منع النسل بالعزل أو نحوه مما سماه النبي صلى الله عليه وسلم ( الوأد الخفي ) فان ذلك يؤدي الى منع نسل الأمة ومنع نسل الأمة هلاك لها ، وفناء تدريجي لقوتها فالولد قوة والعرب يعتزون بكثرة النفر .
وقال تعالى:( وليلبسوا عليهم دينهم ) أي ليخلطوا دين إسماعيل الذي كان الحنفية كدين أبيه إبراهيم بأوهام كاذبة وبذلك يفسدونه وقد أفسدوه بالشرك ، وافسدوه أيضا أن ا دخلوا فيه ما ليس من الدين ولا بأمر من الله ونهيه كما فعلوا في جعل نصيب الله تعالى مما ذرا من الحرث والانعام ومن قتل الا ولاد فان هذا خلط ما ليس بالأصل الديني وبذلك سواء السبيل .
( ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ) .
عن الله سبحانه وتعالى قدر لهم الضلالة اذ ستروها وتركوا الهداية ، وسلكوا سبيلها فاختارها الله تعالى لهم بعد أن اختاروها لأنفسهم وإن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون وإذا كان الله تعالى قد كتب عليهم ذلك فعن مشيئته صدر فعلهم ولو شاء ألا يفعلوه ما فعلوه ولكنه شاء لهم لأنهم اختاره . وإذا كان تعالى قد شاءه لهم فقد افتروه ، وقد أنذرت وما عليك جناح إذا استمروا على غيهم فذرهم أي فاتركهم مع ما يفترونه يرتعون غيه وما أنت إلا نذير .