{لِيُرْدُوهُمْ}: الإرداء: الإهلاك ،وردي يردي ردًئ إذا هلك ،وتردى تردّياً ،والمِرداة: الحجر يتردّى من رأس الجبل .
{وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ}: أي: يخلطوا عليهم دينهم ويدخلوا عليهم الشبهات .
قتل الأولاد في الجاهلية
{وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ} وهذه عادةٌ أخرى من عاداتهم السيئة ،وجريمةٌ من جرائمهم الكبيرة ،فقد أثار تصورهم الشيطاني للحياة شعوراً سلبياً ضدّ البنات ،مخافة العار والعيلة والفقر ،لأن الأنثى لا تمثّل قيمةً اقتصادية يعوّل عليها في حياة الأسرة ،لأنها كانت لا تعمل ولا تغزو ،بل كانت تُعال وتقع سبيّةً في عمليات الغزو ،ما كان يُدخل العار على أهلها ،لذلك كان ردّ فعلهم على ذلك أنْ يزيّن لهم قتل البنات ووأدهن أحياء من أجل هذه الصورة الباطلة ..
وقد ربطت الآية هذه العادة بتزيين الشركاء ،لما تمثله الشياطين في وعي أولئك المشركين من رموز محترمة تطاع من دون الله ،سواءٌ في ذلك شياطين الإنس ،أو شياطين الجنّ ..
ولكن الله يبيّن لهم العواقب السيئة لذلك ،وهو الهلاك ،وإثارة الشبهات ،وتشويه المفاهيم الصحيحة ،فإنّ الرزق على الله ،فهو الذي يرزق الذكر والأنثى ،كما أن للمرأة دوراً في تنمية الثروة في الموارد التي تتناسب مع دورها الطبيعي في الحياة ،كما هو الحال في ما يقوم به الرجل من دور .أمَّا قضية العار ،فهي قضية تتحرك في نطاق التقاليد الجاهلية ،ولا عار في الإسلام على أحدٍ في ما يقوم به إنسانٌ آخر ،ولا مجال للتمييز بين المرأة والرجل في قضية العار والشرف ،فهما سواءٌ في ما يعملانه وفي ما يقومان به من حيث النتائج الأخلاقية والاجتماعية والقانونيّة .
{وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ} لأنه قادر على أن يمنعهم عن القيام به ،أو يضطرهم إلى تركه ،ولكن حكمته شاءت أن يترك للإنسان الحرية في ممارسة إرادته في ما يفعل ويترك من أمر الطاعة أو أمر المعصية .{فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} فإنهم لا يعجزون الله ،فسيعاقبهم على كل ما اقترفوه ،فاتركهم وأقم الحجة عليهم ،فلا يضرّك من أمرهم شيء .