( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين 162 لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين 163 ) امر الله تعالى نبيه بأن يقول قولة يكون بها كله لله تعالى ليس لحد شيء في نفسه أو جارحته أمره بأن يكون كله لله ، وإنه لكذلك وخاطب من معه من المؤمنين ليكونوا ربانيين ، وان يخاطب بذلك المشركين ليتخلفوا عن الشرك والأوهام والأهواء ، ( ان صلاتي ) أي دعائي وضراعتي وعباداتي ، ومنها الصلاة المفروضة ، والنفل والتهجد لله وحده ليس لأحد فيها شركة أو نصيب ، بل هي لله وحده لا شريك له ( نسكي ) النسك العبادة ، والنسك أيضا جمع نسيكة وهي الذبيحة في أضحية أو حج أو عمرة ، قال بعض المفسرين:انها هنا بمعنى العبادة ، فيكون الكلام من عطف العام على الخاص وتكون كلمة الصلاة المقصودة الصلاة:فرضها ونفعلها والتهجد بها ، وخصت بالذكر لأنها عمود الدين ولبه ، ولا دين من غير صلاة .
وفسر ابن كثير النسك هنا بالذبائح في الأضحى والعمرة والحج ذلك أن العرب كانوا يشركون ويدعون أنهم على ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، ويهلون لغير الله فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الله تعالى له بالبيان بأن يذكر أن ملة إبراهيم كانت دينا قيما يعبد الله وحده ، ويذبح مهلا لله تعالى وحده ، وروى ذكر اسم الله تعالى في ذبيحة النبي صلى الله عليه وسلم فروى عن ابن عباس عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين وقال حين ذبحهما:( إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين79 ) ( الأنعام ){[1085]} .
( قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين 162 لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين 163 ) وإن تفويض الرسول عليه السلام لربه تعالى تفويض كامل ، وملكية الله تعالى له ولعباده ملكية كاملة لا مثنوية فيها لله سبحانه وتعالى ولذا أمره الله تعالى بان يقول:( محياي ومماتي لله رب العالمين ) وهي تدل على أمرين .
الأمر الأول:أن النبي صلى الله عليه وسلم في حياته الدنيا ، ومماته من بعدها ، ثم حياته في الآخرة لله تعالى هو المتصرف فيها المالك لها ، فهو رب الوجود ، ومالك يوم الدين ، وهذا هو الفناء في ذات الله تعالى على الوجه الإسلامي الحنيف المستقيم .
والأمر الثاني:أن ( محيا ) و ( ممات ) مصدران ميميان بمعنى الإحياء المستمر ، والممات من بعد ثم الإحياء المستمر والمعنى إحيائي في هذه الحياة الدنيا المستمدة منك ولك ، وإماتتي لك أنت الذي تحييني وتميتني وحياتي الباقية الخالدة منك ولك يا رب العالمين .
وقرن القول السامي برب العالمين لبيان أنه القائم على الحياة وهو الذي بيده الموت والحياة من بعده وهو الحي القيوم لا اله الا هو العزيز الحكيم .
وأكد سبحانه وتعالى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:( لا شريك له ) لا يشركك يا رب العالمين في نفسي وفي حياتي ومماتي أحد من الناس ، أو غير الناس ، فكلى لك من غير شريك ، فأنت المالك وحدك لي ولغيري من كل ما في الوجود .