( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ ) .
الذين آتاهم الله سبحانه وتعالى الكتاب هم اليهود والنصارى أوتوا التوراة والإنجيل وهم بما عندهم من الأخبار والأنباء عن المرسلين يعرفون محمدا صلى الله عليه وسلم ورسالته ، وبعثه وصفته ومهجره ، ويؤمنون بالله تعالى ويوحدونه ولا يشركون ، يعرفون هذه الحقائق كما يعرفون أبناءهم الذين هم من أصلابهم فهو عندهم بمرتبة اليقين ، وقد وردت الآثار بذلك .
ويروي في ذلك أن كفار مكة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم:ما نرى أحدا يصدقك فيما تقول ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أنه ليس عندهم ذكر فأرنا من يشهد أنك رسول الله ، وروى ابن جرير بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال جاء النحال ابن زيد وقردم ابن كعب فقالوا:يا محمد ما نعلم مع الله إلها غيره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( لا إله إلا الله تعالى ، بهذا بعثت وإلى ذلك أدعو ){[1008]} .
فهذا النص الكريم ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه ) شهادة ثابتة بعد شهادة الله تعالى التي حكاها النبي صلى الله عليه وسلم عنه جل جلاله وبعد شهادته صلى الله عليه وسلم وهي شهادة النبيين السالفين أجمعين .
والضمير في يعرفونه على من يعود ؟ قال الأكثرون من المفسرين:إنه يعود على النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيد ذلك سبب النزول المذكور أولا ، وهو المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق الكلبي وهو يؤيد الوحدانية ويؤكد الشهادة بها من قبل تأييد النبي صلى الله عليه وسلم في صدق رسالته .
وجوز ابن جرير الطبري عودة الضمير على الله تعالى ، ويؤيده أنه قرب ظاهر مذكور في الآية كما يؤيده رواية ابن عباس في شهادة أهل الكتاب الذين شهدوا بالتوحيد وهو ظاهر وإن كان لا يظفر بالكثرة التي يظفر بها الرأى الأول .
( الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) .
ختم الله تعالى النص ببيان خسارتهم لأنفسهم ، وإركاسهم أنفسهم في الفساد ويترتب فقد الإيمان وعلى هذه الخسارة الفادحة التي فقدوا بها أنفسهم كأناس لهم إدراك وفهم في ربط للمسببات المنطقية باسمها وإن المشركين كانوا يؤيدون نحلتهم بتكاثر معتنقيها ، فذكر لهم القرآن الكريم أن الله تعالى يشهد ببطلان كلامهم وقام الدليل على صدق شهادة الله تعالى بالكتاب الموحى به ، والذي قام الدليل على صدقه بالتحدي به ، وعجزهم عن أن يأتوا بمثله وشهادة النبي صلى الله عليه وسلم وقد علموا أنه الصادق الأمين وإن لج قادتهم في الخصومة حتى فجروا فيها ، وشهدت الكتب السابقة والذين يعتنقون ما فيها ، فلماذا يكذبون ويشركون فماذا بعد الحق إلا الضلال وأي خسارة نفسية أكثر من الفجر في الخصومة واللجاجة في البهتان حتى أصبحوا لا يتصور الإيمان معهم .