{ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون 20 ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون 21 ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون 22 ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين 23 أنظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون 24}
روي أن قريشا أرسلت إلى المدينة من سأل اليهود عن النبي صلى الله عليه وسلم ورجعوا إلى مكة فزعموا أن اليهود قالوا ليس له عندنا ذكر ، فلما صار لهم عهد باليهود كان مما رد الله تعالى به عليهم في هذه السورة قوله بعدما تقدم من الحجج{ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} أي يعرفون محمدا النبي الأمي خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم لأن نعته في كتبهم واضح ظاهر .وقد تقدم نص هذه الجملة في سورة البقرة كآيات أخرى في معناها وبينا في تفسيرها ما يؤيدها من شواهد التوراة والإنجيل .
ثم بين تعالى علة إنكار المكابرين منهم لما يعرفونه من أمر نبوته صلى الله عليه وسلم فقال:{ الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ( 20 )} قيل إن{ الذين} هنا بيان للذين الأولى أو بدل منها ، ويجوز أن يكون مبتدأ ، أي الذين خسروا أنفسهم منهم فهم لا يؤمنون به بل يكفرون كبرا وعنادا فهم لذلك ينكرون ما يعرفون .وقد بينا قريبا معنى هذه الجملة إذ وردت بنصها في الآية الثالثة عشرة من هذه السورة والعهد بها قريب ، وموقعها هنا أن علة إنكار من أنكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من علماء اليهود كعلة إنكار من أنكرها من المشركين بعد ظهور آياتها وأنكر ما هو أعظم منها وأظهر وهو وحدانية الله تعالى ، وهي أنهم خسروا أنفسهم فهم يؤثرون ما لهم من الجاه والمكانة والرياسة في قومهم ، على الإيمان بالرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم ، لعلمهم بأن هذا الإيمان يسلبهم تلك الرياسة ويجعلهم مساوين لسائر المسلمين في جميع الأحكام وكذلك كان بعض رؤساء قريش يعز عليه أن يؤمن فيكون مرؤوسا وتابعا [ ليتيم أبي طالب] فكيف وهو يكون بعد ذلك مساويا لبلال الحبشي وصهيب الرومي وغيرهم من فقراء المسلمين ، فخسران هؤلاء الذين نزلت فيهم هذه الآية لأنفسهم هو من قبيل ضعف الإرادة لا من نوع فقد العلم والمعرفة لأن الله تعالى أخبر أنهم على معرفة صحيحة في هذا الباب .وروي أن خسران النفس هنا عبارة عن خسرانها في الآخرة فقط بخسران أمكنتهم التي كانت معدة لهم في الجنة لو آمنوا بالرسول وإعطائها للمؤمنين ،