بعد أن ذكر الله تعالى الميقات الذي واعد الله موسى عليه ، وما كان من عبادة العجل ، ولوم موسى لأخيه على عبادة بني إسرائيل العجل ، بين الله – سبحانه – اختيار موسى لسبعين من رجال بني إسرائيل يمثلونهم ، وكأنه اختار بني إسرائيل كلهم ، فقال تعالى:
{ واختار موسى لقومه سبعين رجلا لميقاتنا} .
اختار موسى سبعين رجلا لميقات الله تعالى الذي واعده موسى – عليه السلام – وكأنهم صحبوه في هذا الميقات ، ولكن انفرد بمكالمة الله موسى – عليه السلام - .
وقد طلبوا أن يروا الله تعالى جهرة ، ويظهر أن موسى – عليه السلام – طلب أن ينظر الله تعالى تمهيدا لأن يروه ، فقال الله تعالى لن تراني ،{. . . . . . فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا . . . . . . . . . . . ( 143 )} وكانت رجفة في الأرض خر من أجلها موسى صعقا ، وأخذتهم الرجفة .
وانتهى من هذا إلى أن الذهاب للميقات ، واحد ، ذهب موسى ومعه سبعون رجلا اختارهم ممثلين لبني إسرائيل ، وهذا ما يمكن أخذه من ظاهر السياق القرآني ، وهو أن الميقات واحد .
ولكن يذكر محمد بن إسحاق أن هذا ميقات آخر ، وهو أن موسى عندما رأى من عبادة العجل ما رأى ، أخذ ميقاتا من ربه ، ليذهب هؤلاء السبعون معه ، ويستغفروا ربهم ، فقالوا:{. . . . . . . . . . . . . . . لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة . . . . . . . . . . . ( 55 )} ( البقرة ) ، فصعقوا .
وإن هذا الكلام مقبول في ذاته ، ولكن لا نجد له سندا صحيحا من سنة وليس في الكتاب إشارة واضحة إليه ولعله يرشح لهذا النظر قوله تعالى:{ أتهلكنا بما فعل السفهاء منا} ولكنه لا يقطع ؛ لأنه ربما يشير إلى أن طلب الرؤية ذاته كان تعديا وسفها ، ولذا استغفر عنه ، على أن الاستفهام للإنكار ، أي لإنكار الوقوع من الله تعالى أي أنت يا رب العالمين لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا ، أي بما يكون بسبب خفة أو تسرع .
وهنا إشارات بيانية:
الأولى – أن الله تعالى يقول:{ واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا} وسبعون بدل من{ قومه} بدل بعض من كل ، ولكنه يشير إلى أن اختيارهم هو اختيار لجميعهم ، لأنهم يمثلونهم ، وكأنهم هم أنفسهم .
الثانية – في قوله تعالى:{ قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي} نادى الله بعنوان الربوبية أن لو شاء أهلكهم وأهلك موسى معهم ، وذكر نفسه معهم ، وتلك مساواة منصفة من كليم الله تعالى موسى مع غيره .
الثالثة – أن الله تعالى هدى موسى لأن يستنكر بنفسه طلبه الرؤية/ وظنه أن ذلك سفه أو تسرع ، ولكنه ليس بذنب مقصود ، وإنا دقة الحس بالإيمان جعل يظن أن ذلك سفه يدخله في جملة السفهاء ؛ ولذا قال هذا ، وقال من قبل:{ رب اغفر لي ولأخي} .
الرابعة – من الإشارات البيانية ، قوله تعالى:{ لو شئت أهلكتهم من قبل} ، أي من وقت الميقات وأنا معهم ثم قال موسى:{ إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء} ، الفتنة:الاختبار ، وهي مضافة إلى الله تعالى ، ومعناها إنك تعاملنا معاملة من يختبرنا في أنفسنا ، تهدي بها من تشاء ممن يعتبرون بالعبر ، ويؤمنون بقدرتك ، ويطيعونك فيما تأمر به وتنهى عنه ، ويضل في هذا الاختبار الحكيم ، فلا يدرك عظمتك وجلالك ، فيضل عن الطريق{ أنت ولينا} أي أنت ناصرنا ومعزنا ، ومتولي أمورنا ، والقريب منا العفو الغفور .
{ فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين} .
الفاء هنا للإفصاح عن شرط مقدر ، أي إذا كنت ولينا وناصرنا ، والقريب الداني منا برحمتك وعفوك ، فاغفر لنا ذنوبنا وارحمنا وأنت خير الغافرين .