{وَاخْتَارَ}: آثر وأراد ما هو خير .
{فِتْنَتُكَ}: الفتنة: العذاب ،وقيل: الكشف والاختبار .
موسى يختار سبعين رجلاً لميقات الله
ويستمر الحديث عن قوم موسى ؛فقد اختار موسى سبعين رجلاً ليكونوا معه في الموعد الذي ضربه الله له .ولم تفصّل السورة المسألة حول طبيعة هذا الموعد ؛هل هو الموعد الذي ذهب إليه موسى ليكلّم الله ويعود إلى قومه بالتوراة ،أم أنّ هناك موعداً آخر لمناسبةٍ أخرى ؟لقد اختلف المفسرون في تحديد ذلك ،انطلاقاً من شواهد قرآنية تعرّضت لما يقترب من هذه القصة ،وفصّلت بعض التفصيل أسباب العذاب الذي أوقعه الله عليهم ،حيث أرادوا أن يروا الله جهرةً ...ورأى بعضهم أنّ هذا ما جعل موسى يطلب من الله أن يمكِّنهُ من النظر إليه استجابةً لطلبهم منه ذلك ،فإذا استجاب الله ذلك فسيرونه معه ،لأنهم كانوا حاضرين هناك .وحاول البعض مناقشة بعض تفاصيل ذلك ،وحملها بعض على المحامل الأخرى البعيدة لبعض الأحاديث الواردة في هذا المجال ،ولكنّنا لا نجد كبير فائدةٍ من الدخول في مثل هذه التفاصيل ،لأن القرآن أجمل القصة لابتعاد خصوصياتها عما يريده من أغراض ،وهو تأكيد العقاب الإلهي لمن تمرّد وانحرف ،وتقرير الفكرة التي تربط الحاضر بالماضي في قضايا الإيمان والانحراف .
{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} التي أنزلها الله بهم ،فماتوا بها أو أغمي عليهم عندما أخذتهم الصاعقة ،كنتيجةٍ لبعض مواقفهم أو طلباتهم أو أقوالهم{قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّاي} فقد عقلت لسانه المفاجأة ،وأخذته الدهشة ،وعاش في جوٍّ ضاغطٍ من الحيرة ،وربما فكر بالطريقة التي يواجه قومه بها بنبأ هلاك سبعين رجلاً منهم دفعة واحدة ،فقد يثير ذلك الكثير من حالة البلبلة والارتباك في المجتمع هناك ،ولم يجد لديه إلا أن يرفع الأمر إلى الله ليعبر عن هذه الحيرة وهذا الخوف ،وعن التمني الحائر لو أن الله أهلكه معهم قبل هذه التجربة الصعبة ...ولكنه يرجع إلى روحية الابتهال والخشوع لله والتوسل الصادق إليه{أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَآءُ مِنَّآ} ؟!فنحن لا نتحمل مسؤوليتهم ،لأننا لم نشاركهم أعمالهم وأقوالهم ،ولم نرض بها من قريبٍ أو بعيد{إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ} .
من هم السفهاء الذين عناهم موسى( ع ) ؟
ولكن من هم السفهاء الذين عناهم موسى بقوله ،هل هم هؤلاء السبعون ،أم أنّ هناك أناساً آخرين ؟وهل كان موسى في موقف الحديث عن هلاك هؤلاء بما فعله السفهاء من غيرهم أو بما فعلوه هم ،أم كان في موقف الخوف من هلاكٍ مستقبليٍّ للمجتمع ،كنتيجةٍ لانحراف سفهاء بعض الأفراد فيه ؟هناك أكثر من احتمال ،ولكن الظاهر أنه كان في موقف طلب الرحمة من هلاكٍ محتملٍ من خلال انحراف المنحرفين هناك ،والرجاء بأن لا ينزل عقابه عليهم جميعاً لانحراف بعض الأفراد من السفهاء على طريقة:{وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّة ..} [ الأنفال:25]{أَنتَ وَلِيُّنَا} وراعينا وناصرنا في جميع أمورنا ،فإذا صدر منا الذنب فإننا نرجو المغفرة منك ،وإذا عشنا الخطأ فإننا نتطلع إلى الرحمة لأنك وليُّ ذلك كله .
موسى( ع ) يسأل الله المغفرة
{فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} فنحن نلجأ إليك ولا نلجأ إلى غيرك ،ونتحرك في اتجاه الإخلاص إليك في العمل ليكون لنا بذلك النجاح في الدنيا والنجاة في الآخرة ...وتلك هي حسنة الدنيا ،وحسنة الآخرة