{هُدْنَآ إِلَيْكَ}: تبنا إليك .
{وَاكْتُبْ لَنَا فِى هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخرةِ إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ} أي رجعنا إليك وأنبنا بقلوبنا وأرواحنا وخطواتنا العملية…
وتلك هي التطلعات الروحية التي عبّر بها موسى عن تطلعات كل مؤمنٍ يعيش خوف الله ،فكيف أجابه الله ؟{قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ} تبعاً للحكمة التي تفرض العذاب على من يستحقه حيث لا مجال لمغفرة أو رحمة .{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} ففي كل مظهرٍ من مظاهر الوجود ،مظهرٌ للرحمة التي أفاضها على الحياة فتحوّلت إلى حركةٍ واسعةٍ تنتج الخير والبركة لكل شيءٍ ،وفي كل نعمةٍ من نعم الحياة على الناس في ما يأكلون ويشربون ويلبسون ويستمتعون ويتقلّبون في رزقه ...منطلقٌ للرحمة لمن يؤمن به ويطيعه ،ولمن لا يؤمن به ويعصيه .وغداً إذا وقف الناس بين يديه ،من المذنبين المسيئين والمطيعين والمحسنين ،فسيجدون رحمته بانتظارهم ،فيغفر لهؤلاء ما قدموا من خطايا ،ويرفع درجة أولئك لما قدّموا من حسنات .وستتحرك رحمته في كل اتجاه ،لتمنح الناس من رضوانه ومغفرته ما يوحي لهم بأن رحمته سبقت غضبه .
ولكنّ هناك من لا يستحقّ الرحمة من الله ،لأنه قطع على نفسه كل طرق الإمداد ،وأغلق عن حياته كل منافذ المغفرة ،لأنه أساء كما لم يُسِيء أحد ،فكفر بالله وأشرك به ما لم ينزل به سلطاناً ،ولهذا فقد أخذ الله على نفسه أن لا يغفر لمن أشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ،ولن يشاء المغفرة إلا لمن كان في قلبه نبضٌ من رحمةٍ ،وحركةٌ من محبة ،وانطلاقة من إيمانٍ ...أمَّا القلوب السوداء بالقسوة ،الجامدة بالحقد ،المختنقة بالكفر ،فلن تنال المغفرة ،لأنها لم تنفتح على الله في شيء ،فكيف يمكن أن تأمل بانفتاح الله عليها بالرحمة ؟!
المتقون هم الذين يتبعون النبي الأمي
{فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} ويعيشون الخوف من الله ،كمنهجٍ للسير في خط الفكر والعمل في الحياة ،فيمنعهم ذلك من التمرد عليه بمعصيته ،ويدفعهم إلى الانقياد له بطاعته ،وذلك في ما تمثله التقوى من التزامٍ روحيٍّ وعمليٍّ بالله .{وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} في ما تمثّله الزكاة من حركة الرحمة في حياة الإنسان ،بما توحي به من روحية العّطاء ،وحيويّة المحبّة ،وفاعلية الإيمان…{وَالَّذِينَ هُم بَِايَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} في ما يثيره الإيمان بآيات الله من انفتاح للعقل على الآفاق الرحبة للمعرفة ،وإذعان منه بالحقيقة الواضحة في أجواء الله ،فإنّ الله يحب العقل المنفتح ،والروح المؤمنة التقية المذعنة للحق .