قوله:{واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك} أي يدعو موسى عليه السلام ربه أن اجعل لنا يا ربنا في هذه الدنيا حسنة وهي الصالحات من الأعمال .وكذلك اجعل لنا في الآخرة حسنة وهي أن تكتب لنا التوبة والغفران والنجاة من النار{إنا هدانا إليك} أي تبنا إليك .والفعل: هاد ،يهود هودا ،أي تاب ورجع إلى الحق .والهائد التائب الراجع إلى الله{[1535]} .
قوله:{قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء} المراد بالعذاب هنا: الرجفة التي أصابت السبعين رجلا من بني إسرائيل .ومثل هذا العذاب إنما ينزل بمن استحقه من المقصرين والمفرطين فيما فرض عليهم من الواجبات .وهو مصيبتهم كغيرهم من المقصرين والمفرطين .أما قوله في الحرمة: فهو عموم خصصه ما بعده وهو أن رحمة الله بالغة السعة والشمول لتسع الذين يتقون الله ويعلمون الصالحات .وهو قوله:{ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون} .
وبذلك فإن رحمة الله يشترط في الذين يستحقونها ثلاثة شروط:
الأول: تقوى الله ؛وذلك أن يكون المرء من المتقين الذين يبادرون فعل الطاعات ،ويجتنبون فعل المعاصي .وما نظن مثل هذه الحقيقة مركوزة في غير أمة محمد صلى الله عليه وسلم .هذه الأمة المباركة المكرمة المعتدلة لا ريب أن فيها المتقين الذين يخشون الله فيفرون مما يسخطه أو يغضبه ،ويبادرون لفعل الطاعات دون إبطاء أو تخاذل .لكن غيرهم من الأمم يفرون من طاعات ربهم ليبادروا فعل كل ألوان الموبقات والمعاصي كأكل الربا وأكل الحرام بكل صوره وأشكاله ،وظلم الناس والاعتداء عليهم في أموالهم وأشخاصهم وأوطانهم وكراماتهم .إلى غير ذلك من وجوه الفحش والزنا والكفر الضلال .
الثاني: إيتاء الزكاة .وهذه عبادة أساسية من عبادات الإسلام ؛بل هي ركن من أركانه ومقوماته الكبرى .وما نظن انتظام مثل هذه الفريضة على نحوها الدقيق الكامل المميز في غير شريعة الإسلام .
الثالث: الإيمان الصحيح الكامل دون أي انتقاص .وهو الإيمان بسائر النبيين والمرسلين دون تفريق بين أحد منهم .وهذه خصيصة كبرى لا تتجلى في غير أمة محمد صلى الله عليه وسلم .هذه الأمة التي يلتزم أفرداها الإيمان الكامل بجميع النبيين والمرسلين بدءا بأولهم وانتهاء بعيسى ابن مريم ؛فالنبي الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام أجمعين .وأيما تفريق في ذلك أو تكذيب بأحد النبيين إنما يعني الكفر صراحة ووقاحة .فلا اعتبار ولا قيمة لمن آمن ببعض النبيين و أكثرهم ثم كفر ببعضهم أو بواحد منهم .إنه لا يكذب بواحد من النبيين أو المرسلين إلا كافر كنود أو شقي وضال وفاسق لا يستحق غير اللعن والمهانة والاستعار في عذاب النار وبئس القرار .
إن أمة الإسلام ،أمة محمد صلى الله عليه وسلم تتجلى فيها كل هذه الحقائق والشروط لتستحق من الله الرحمة ؛فلا جرم أن شيع فيها الخير والأمن والود والبركة في هذه الحياة .ويوم القيامة يفضون إلى تكريم من الله ورضوان وهم في روضات الجنان في مقعد صدق عند مليك مقتدر{[1536]} .