وقد ذكر- سبحانه وتعالى – ما كان منهم من الكفر بهذه النعمة فقال:
{ وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ( 161 )} .{ وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ( 161 )} .
طلبوا أن يغيروا نوع الطعام الذي أنزل تعالى عليهم ، وقالوا:لن نصبر على طعام واحد ، وهو الذي كان في الصحراء إذ أنزل عليهم المن والسلوى ، فأمرهم الله تعالى أن يدخلوا قرية فيها الطعام الذي يريدونه وقال لهم:{ اسكنوا هذه القرية} التي فيها أنواع من الأغذية فيها فومها وقثائها ، وسائر بقلها ، وقاتل لهم مبيحا لهم الطيب منه:{ وكلوا منها حيث شئتم} ، أي مكان للنبت شئتم ، مما تنبت الأرض ، من طعام مختلف ألوانه .
وأمرهم – سبحانه وتعالى – وقد مكنوا من العيش الذي يريدونه رغدا أمرين:
أحدهما أن يقولوا حطة ، والثاني أن يدخلوا ساجدين .
ومعنى حطة:دعاء الله تعالى أن يحط عنهم ذنوبهم التي ارتكبوها ، من عبادتهم العجل ، وطلبهم أن يكون لهم آلهة ، كما لهؤلاء آلهة ، ومن كفرهم بنعم الله ، ومن قولهم لموسى:{. . . . . . . . . لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة . . . . . . . . . . . . . ( 55 )} ( البقرة ) وأمرهم سبحانه على لسان موسى – عليه السلام – أن يكونوا مع ذلك خاضعين خاشعين ساجدين ، وهذا ما يدل عليه قوله:{ وادخلوا الباب سجدا} ، أي ادخلوا باب المدينة سجدا ، أي خاضعين خاشعين ، أي طالبين في ضراعة غفران الذنب .
وقد سرنا في هذا على أن القرية قرية تحقيق فيها ما طلبوه من ألوان الطعام ، ولكن بعض المفسرين ذكر أنها الأرض المقدسة أو بيت المقدس ، فما مقدار قولهم من الصحة ؟
لقد ذكر – سبحانه وتعالى – في سورة المائدة ما يفيد أنهم لم يدخلوها في حياة موسى – عليه السلام – بل دخلوها من بعده فقد قال تعالى:{ وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ( 20 ) يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم} ( أي أن تدخلوها ){ ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين ( 21 ) قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ( 22 ) قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ( 23 ) قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ( 43 ) قال رب لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ( 25 ) قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين ( 26 )} .
وإن هذه الآيات الكريمة تومئ إلى أن دخول الأرض المقدسة رغبوا فيه في عهد موسى ، ولكن لم يدخلوها في عهد موسى – عليه السلام – ولكن دخلوها في عهد الأنبياء من بعده .
والآيات الكريمة التي نتكلم في معانيها السامية تومئ إلى أن طلب دخول القرية في عهد موسى – عليه السلام – لأنه متناسق مع ما قبلها وما بعدها .
ولذا نميل إلى أن هذه القرية غير الأرض ، وإن الأرض المقدسة ذكرت بعنوان الأرض المقدسة ، لا بعنوان القرية فإنها ليست ككل القرى .
وقوله تعالى:{ نغفر لكم خطيئاتكم} جواب فعل الأمر في قوله:{ وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا} . وقد زادهم الله تعالى نعمة فوق نعمة الغفران ، وهي نعمة الثواب ، والرحمة بنعيم الجنة ، فقال تعالى:{ سنزيد المحسنين} والسين لتأكيد الزيادة للمحسنين وهم الذين يؤدون واجبهم ، ويخلصون لربهم .