/م161
1و2- قال تعالى هنا:{ وإذ قيل لهم} لأن القصة خطاب وجه أولا إلى أهل مكة ، فالحكاية فيه عن بني إسرائيل حكاية عن غائب والأصل أن يذكر ضميره فيه ولذلك قال: "لهم "وفي سورة البقرة"وإذا قلنا "والمعنى واحد إذ المعلوم أن القائل هو الله تعالى ، وقد روعي هنالك السياق في خطاب بني إسرائيل إذ قبلها{ وإذ فرقنا بكم البحر ...} [ البقرة:50]{ وإذا واعدنا موسى ...} [ البقرة:51] فناسب أن يقول"وإذ قلنا "ولم يقل فيها"لكم "كما قال هنا"لهم "لأن القول كان لأجداد المخاطبين من ألوف السنين لا لهم أنفسهم ، ولم يقل"لهم "أيضا لأن السياق لم يكن حكاية عن غائب مجهول يحتاج إلى تعيينه ، بل هو تذكير الخلف بما تقوم به عليهم الحجة من شؤون السلف ، لأنهم وارثو أخلاقهم وغرائزهم وعاداتهم ، فهو إذن مشترك بين الخلف الحاضر ، والسلف الغابر ، وزيادة"لهم "تلصقه بالغائب وحده فتكون حكايته لبني إسرائيل كحكايته لعرب مكة وغيرهم ، فتأمل:
3- قال ههنا{ اسكنوا هذه القرية} وفي سورة البقرة{ ادخلوا} والفائدة ههنا أتم لأن السكنى تستلزم الدخول ولا عكس .وتظهر فائدة اختلاف التعبير في الفعلين بما يليهما من العطف عليهما وهو:
4 و5- قال ههنا{ وكلوا منها حيث شئتم} وفي سورة البقرة{ فكلوا منها حيث شئتم رغدا} فعطف الأمر بالأكل هنالك بالفاء لأن بدءه يكون عقب الدخول كأكل الفواكه والثمرات التي كانت توجد في كل ناحية من القرية –والسكنى أمر ممتد يكون الأكل في أثنائه لا عقبه ، بل لا يقال عقب السكنى إلا فيمن يترك هذه السكنى ، ولذلك عطف عليه هنا بالواو التي تفيد الجمع بين الأمرين مطلقا بلا ملاحظة ترتيب ولا تعقيب .وقد وصف هنالك الأكل بالرغد وهو الواسع الهنيء والتبشير به يناسب حال الدخول ، إذ الأمر لدى الداخل مجهول .
6- قال ههنا{ وقولوا حطّة وادخلوا الباب سجدا} وقدم هنالك ما أخر هنا وأخر ما قدمه أي في الذكر ، وهو لا يدل على طلب ترتيب بين الأمرين لأن العطف فيه بالواو الدالة على طلب الأمرين مطلقا ، ولكن لو كان التعبير في الموضعين واحدا لفهم منه أن المقدم في الذكر أرجح أو أهم ولو في الجملة كما هي القاعدة في التقديم لذاته .فكان الاختلاف دالا على عدم الفرق بين تقديم هذا وتأخير ذلك وبين عكسه .لأن المراد منهما لا يقتضي ترتيبا بين ما دلت عليه كلمة ( حطة ) وهو الدعاء بأن تحط عنهم أوزارهم وخطاياهم كقولك اللهم غفرا وبين دخول باب القرية في حال التلبس بالتواضع والخشوع لله تعالى وتنكيس الرؤوس شكرا لجلاله على نواله ، كما فعل النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة فاتحا .
7- قال ههنا{ نغفر لكم خطيئاتكم} قرأ نافع وابن عامر ويعقوب ( تغفر ) بالتاء والفاء المفتوحة ورفع ( خطيئاتكم ) وهو يناسب ( وإذ قيل لهم ) وقرأ الجمهور نغفر بالنون وكسر الفاء ونصب"خطيئاتكم "بكسر تائها وهو يناسب ما بعده وهو كون"سنزيد "للمتكلم المعظم .والمعنى فيهما واحد ، لأن المخاطب الذي يغفر الذنوب واحد .وقرأ ابن عامر ( خطيئتكم ) بالإفراد .وهو بمعنى الجمع لأنه مضاف فيفيد العموم ، ولعل فيه إشارة إلى خطيئة خاصة مشتركة .وقرأ أبو عمرو ( خطاياكم ) وبها قرأ الجمهور في آية البقرة ، مع اختلافهم في فعل المغفرة كما هنا .وكتابة الكلمتين في المصحف الإمام تحتمل كل ما ذكر في الكلمتين ، وفائدة الاختلاف بين قراءتي الإفراد والجمع للخطيئة أن هذه الذنوب تغفر لهم إذا فعلوا ما أمروا به من قول وفعل سواء كانت قليلة كواحدة أو كثيرة .
8- قال ههنا{ سنزيد المحسنين} بدون واو على الاستئناف البياني وهو جواب سؤال كأنه قيل:وماذا بعد المغفرة ؟ أي سنزيد المحسنين في عملهم جزاء حسنا على إحسانهم .وفي سورة البقرة ( وسنزيد ) بالعطف ، والمعنى واحد .وقد يكون طرح الواو أدل على كون هذه الزيادة تفضل محض ليس مشاركا للمغفرة فيما جعل سببا لها من الخضوع والسجود والاستغفار والدعاء بحط الأوزار .