ولكن لم يغفر الله لهم خطاياهم ، لأنهم لم يطيعوا وعصوا عابثين بأمر ربهم ؛ ولذا قال سبحانه:{ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ ( 162 )}
طالبهم الله تعالى بأن يقولوا وهم يدخلون:حطة ، أي حط علينا ذنوبنا ، فبدلوا ذلك الأمر المعنوي الذي كلفهم الله تعالى ، وهو غفار لمن تاب ، بدلوه بما يدل على ماديتهم ، واستغراق الملاذ الجسمية ، فقالوا:( حنطة ) أي طعاما ، فماضيهم كحاضرهم لا يطلبون إلا المادة ولا يبغون غيرها سبيلا ولا مطلبا ، وكأنهم يستخفون بأمر الله تعالى ، وطلب غفرانه ، ويطلبون ما تهوى أنفسهم ، فلا يطلبونه ، كما تقول لرجل اطلب مغفرة الله ، فيطلب مأكلة لا مغفرة .
وذلك كفر يضاف إلى كفرهم ، ولذا قال سبحانه وتعالى:
{ فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون} .
أي أن الله تعالى عاقبهم عقوبة دنيوية بعذاب أنزله الله تعالى بهم من السماء بأن أرسل عليهم حاصبا يتعبهم ويعذبهم ولا يبيدهم ، وقيل لطاعون أصابهم ، والله أعلم بما أنزل بهم ، ومادام سبحانه لم يبينه ، فلنعلمه ولا نفصله ؛ لأنه سبحانه لم يفصله ، وقوله تعالى:{ بما كانوا يظلمون} أي بسبب ظلمهم ، واستمرارهم عليه ، فلا يرعون عن عيهم ، ويلاحظ هنا أمران:
أولهما – أن الله – سبحانه وتعالى – نسب تبديل القول إلى بعضهم دون كلهم ، فقال تعالى:{ فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم} وكأنهم كانوا صنفين ظالما وعادلا ، فبدل الظالم ولم يبدل العادل ، ولكن في العذاب ذكرهم جميعا ، ولم يذكر بعضهم ، فهل طغى ظلم الظالمين على غيرهم كقوله تعالى:{ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة . . . . . . . . . . . . . ( 25 )} ( الأنفال ) . الظاهر ذلك ؛ لأن العادلين رأوا ولم ينهوا ، ولا يأخذ الله العامة بظلم الخاصة إلا إذا رأوا الظلم ولم ينكروا .
وثانيهما – أن الذي ذكر في سورة البقرة في هذه القصة:{ فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم . . . . . . . . . . . . . . ( 59 )} ( البقرة ) ، وهنا{ بما كانوا يظلمون} .
وإنه بمجموع الآيتين يستفاد أن الذين بدلوا كانوا الكثرة ، فحكم بما يعم لأنه الغالب ، وفي الثانية نسب الظلم إلى بعضهم ، وإن كانوا الأكثر عددا ، والأقوى صوتا .
والتعبير في سورة البقرة بالفسق يدل على الانحراف العقلي والنفسي والخروج عن الحق ، وفي هذا الموضع بالظلم وهو الإيذاء بالفعل للنفس ، والكفر ، وهما متقاربان من حيث إنه يلزم كل واحد الآخر .