{ أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ ( 191 ) وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ ( 192 )} .
إن مقياس الألوهية هو الخلق والتكوين ، فإن كان الله هو الخالق المكون فهو المالك لما خلق وكون ، وهو وحده المستحق للعبادة ، سبحانه وتعالى ، والله تعالى مالك السماوات والأرض وخالقهما ، وخالق الإنسان فكيف يعبد غيره ؟ ! ؛ ولذا قال تعالى مستنكرا ما عليه الضالون:{ أيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ ( 191 )} ، الاستفهام إنكاري لإنكار الواقع بمعنى التوبيخ ، أي أتشركون بالله في العبادة ما لا يخلق شيئا وهو ذاته مخلوق ، وننبه هنا إلى ثلاثة أمور:
أولها – أنه هنا ذكر شركهم ولم يذكر من يشاركونه ، وهو الله ، تساميا لاسم الله تعالى عن أن يذكر مقارنا بالأوثان .
ثانيها – أنه – سبحانه وتعالى – ذكر أنهم لا يخلقون . والله خالق كل شيء وهم مخلوقون . والله خالق وليس بمخلوق .
ثالثها – أنه لا تضر ولا تنفع ولا ينصرون أحدا ، ولا ينصرون أنفسهم ، والله تعالى غالب على كل شيء ينفع ويضر وينصر من ينصره ، إنهم لو كانت لهم عقول ما أشركوا مع الله أحدا أو شيئا من هذه الأوثان أو غيرها .
وكل مقدمات هذه الفارقات ثابتة بالبداهة لله جلت قدرته ، والأوثان ثابت كل ما سلب عنهم . قال الله تعالى:{ يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ( 73 ) ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز ( 74 )} ( الحج ) .
وقد كان إبراهيم – عليه السلام – يقول لأبيه:{. . . . . . . . . . . يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ( 42 )} ( مريم ) ، وجاء إبراهيم وكسر الأوثان جذاذا إلا كبيرا لهم فلم يستطيعوا نصرا ، قال تعالى في ذلك:{ فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون ( 58 )} ( الأنبياء ) .