يجيب الله تعالى عن ذلك بقوله عز من قائل:{ فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون ( 190 )} . .من شأن المشركين أنهم في الشدائد يرجعون إلى الله تعالى خائفين طامعين ، يرجونه خوفا وطمعا ، وإن هؤلاء عندما أثقل الحمل اعتراهم شعوران:أحدهما الخوف من أن يضر ذلك بالأم ، والطمع في أن يكون منهما ولد سوي الخلق والتكوين يفرح به ويسر ، ولا ملجأ يلجأ إليه إلا الله ، ولا مامن إلا عنده ، فلما ذهب الخوف ، وتحقق الطمع تركا الضراعة وراءهم ظهريا ، وبدت سوءات الشرك في نفوسهم ، وسيطر الجحود عليهم ، والكفر والبهتان حكما أمورهما ، وقد صور الله تعالى هذا المعنى السامي بقوله:{ فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما} كان يقران بأنه المعطي وحده ، فلما أعطاهما ولدا سليم الجسم سوي البنية جعلتم ثمة شريكا في خلقه وتكوينه ، فزعمتم أن ما تدعون من دونه له دخل في تكوينه وخلقه فزعمتموهم بأوهامكم أنهم شركاء لله في الخلق والتكوين .
وهكذا نفس من يضل عن سبيل الله ، ويسير في طريق الغواية ، وتستولي عليه الوساوس ، إذا كان في شديدة يستولي عليه الخوف والذعر فيستقيم تفكيره ، فإن اطمأن وذهب عنه الخوف لا يهتدي بل يضل .
{ فتعالى الله عما يشركون} ، أي تسامى قدر الله تعالى ، وتعالى علوه عنا يشركون . ( ما ) هنا إما مصدرية ، والمعنى تعالى قدره عن إشراكهم ، وطغيان الأوهام على نفوسهم ، أو ( ما ) موصولة بمعنى ( الذي ) ، ويكون المعنى:تعالى الله بذاته العلية الذي لا يماثله شيء في الأرض ولا في السماء أن يكون له مماثل من هذه الأوثان التي لا تضر ولا تنفع .
وإن هذه قصة تصور حال الإنسان في أمور ثلاثة:
أولا – أنه وزوجه من جنس واحد مؤتلف متجانس فكلاهما متمم لصاحبه ، وكلاهما من خلق واحد ، وتكوين واحد ، وخلقا متقابلين متكاملين .
وثانيا – تصور أنه حال الخوف والطمع لا يلجأ إلا إلى الله ، فهو الذي يشبع حاجته ، وهو الذي يرجى وحده في الشدة .
وثالثا – في أنه إذا ذهب الخوف غلبته الأوهام ، وسيطرت عليه .
يقول القفال في هذه القصة:لما آتاهما ولدا صالحا سويا جعل الزوج والزوجة لله شركاء فيما آتاهما ؛ لأنهم تارة ينسبون ذلك الولد إلى الطبائعيين كما هو قول الطبائعيين ؛ وتارة إلى الكواكب كما هو قول المنجمين ، وتارة إلى الأصنام والأوثان كما هو قول عبدة الأصنام ، وذلك الأخير أكثر ما كان عند العرب ؛ ولذا قال تعالى:{ أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ ( 191 ) وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ ( 192 )} .