{190 – فلما آتهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما} .
أي: فلما استجاب الله تعالى دعاء الزوجين من ذرية آدم وحواء ؛وأعطاهما ولدا صالحا أي: كامل التكوين والخلقة ،خلا بالشكر في مقابلة هذه النعمة أسوأ إخلال ،حيث نسبوا هذا العطاء إلى الأصنام والأوثان ،أو إلى الطبيعة كما يزعم الطبيعيون ،أو إلى غير ذلك مما يتنافى مع إفراد الله تعالى بالعبادة والشكر .
{فتعالى الله عما يشركون} .
أي: تعاظم وتنزه سبحانه أن يكون له شريك .
في أعقاب الآية 189 ،190:
الآية 189 كانت حديثا عن نفس واحدة جعل الله منها زوجها وهي نفس آدم وحواء .
أما الآية 190 ،فقد انتقل عندها الكلام عن آدم وحواء إلى ذريتهما رجلا وامرأة .
والمعنى: جعل أولادهما شركاء ،في الولد الصالح في تكوينه ،حيث نسباه لبركة أوثانهم مع الله تعالى ،فالاشتراك وقع من ذرية آدم وحواء .
جاء في تفسير الشوكاني فتح القدير:
قالت جماعة من المفسرين: أن الجاعل شركاء فيما آتاهم هم جنس بني آدم ،كما وقع من المشركين منهم ،ولم يكن ذلك من آدم وحواء .
جاء في تفسير الوسيط بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر:
ويجوز أن يكون التأويل في قوله: جعلا له شركاء بتقدير مضاف محذوف ،أي: جعل أولادهما لله شركاء ،وجعل الكلام على حذف مضاف كثير ومعهود ،ومنه قوله تعالى: واسأل القرية .أي: واسأل أهل القرية اه .
معارك بين المفسرين:
هذا المكان من التفسير ،مما تدور حوله معارك كلامية كثيرة:
فبعض المفسرين83 ذهب إلى أن المراد بقوله تعالى:{فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما}: آدم وحواء .
واستدلوا على ذلك بما رواه الإمام أحمد بسنده ؛عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لمّا طاف إبليس بحواء ؛وكان لا يعيش لها ولد ،فقال له: سمّيه عبد الحارث: فإنه يعيش ،فسمته عبد الحارث ؛فعاش ،وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره84 .
وقد أثبت الحافظ ابن كثير في تفسيره ضعف هذا الحديث من عدة وجوه ...ورجح أنه من آثار أهل الكتاب .
ثم قال: قال الحسن البصري: عنى الله تعالى بهذه الآية: ذرية آدم ،ومن أشرك منهم بعده .
وقال قتادة: كان الحسن البصري يقول: هم اليهود والنصارى ،ورزقهم الله أولادا فهودوا ونصروا .
قال ابن كثير: وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية ،ونحن على مذهب الحسن البصري في هذا ،وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء ؛وإنما المراد من ذلك: المشركون من ذريته ،ولهذا قال:{فتعالى الله عما يشركون} .ثم قال: فذكره آدم وحواء: أولا كالتواطئة لما بعدهما من الوالدين ،كالاستطراد من ذكر الشخص إلى الجنس اه .
وقال صاحب الكشاف: أن المراد بالزوجين: الجنس لا فردان معينان ،والغرض بيان حال البشر فيما طرأ عليهم من نزعات الشرك الجلي والخفي في هذا الشأن وأمثاله ،والجنس يصدق ببعض أفراد .اه .