{ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ} .
أشار الله - تعالى – في الآية السابقة إلى ما في المؤمن التقي من حراسة على النفس من أن يتدلى إلى الشر تدليا ، فإذا جاءها طائف تذكروا الله وعظمته ، وآياته الباهرة ، فيدركون بفطرتهم كما يدرك المبصر بنصره ، فلا يتردى في معصية ، ولا يصل إلى أقصاها .
ولكن لا يكون العيب من ذات نفوسهم ، بل يكون من إخوان السوء الذين يزينون له سوء الأفعال فيحسبها حسنة ، ويكون ممن زين له سوء عمله فرآه حسنا ، فأولئك هم الذين يقاومون فطرة المؤمن ويحاولون طمس النور فيها ، ويزيدونها سيرا في الغي إن سارت فيه ، فبينما الحق يذكرهم ، إخوان السوء يمدونهم في الغي ، ولذا قال تعالى:{ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ} .
الإخوان هم الذين يرتبطون معهم بصلة نسب ، أو صلة مودة أو صلة جوار أو يتصلون بهم بأي صلة إنسانية{ يمدونهم} ، أي يسيرون يمدونهم بكل أسباب الطغيان والعتو . ويقال مده في عمله وزينه له وحسنه ، ولذا كانت قراءة الأكثرين بفتح الياء وضم الميم ،{ يمدونهم في الغي} والمد التزيين والتحسين والتشجيع ، والغي هو الضلال والفساد ، وكل ما يؤدي إلى الوقوع في مراتع الهوى .
وإنه توجد موازنة حكيمة ، بين نفس متقية مؤمنة هدايتها من نفسها إذا جاء الشر أو طائف منه قاومته بذكر الله وبصيرة المؤمن ، وبصبر الإيمان .
والنفس الأخرى نفس شقية أغواها السوء ، فلما طاف عليها طائف الشر ، زينته وأغرى النفس إخوان السوء وزينوه وحسنوه ، فأصرت على طائف الشر بتزيينهم ، وتشجيعهم ، ومدهم ، فهم في طغيانهم يعمهون وأن يستمروا على تحسين الشر ، ولا ينهون تحسينهم وتزيينهم . فهم في غمرة من الشر لا تنتهي ، ولذا قال تعالى:{ ثم لا يقصرون} أقصر معناها أنهى ، و{ ثم} هنا للدلالة على تراخي الزمن واستمراره ، فهي في موضعها ، والمعنى ثم بعد استمرارهم في غيهم وضلالهم{ لا يقصرون} ، أي لا ينتهون بل دائمون .
وهكذا الشر يستمر مع مقاومة الفطرة باستمرار دعاة الغي وأنصاره ، وكان مدهم وتزيينهم مستمرا يغذي شجرة الشر ، كما يغذي الماء القذر النبات الخبيث الذي لا يكون إلا نكدا .
فالشر يتغذى بدعاة الشر ، وينمو ويغلظ سوقه بهم ، والفساد لا يستشرى في جماعة ويعمها بالشر إلا بالبيئة الفاسدة وبالرأي العام الفاسد المرذول ، فإخوان السوء يمدون بالغي وسواء أكانوا آحادا ، أم كانوا جماعات ، وكلمة إخوانهم تنطبق عليهم .
وإن من يرد إصلاح جماعة لا يصلح آحادها ابتداء إنما يصلح نية الإخوان الذين يسيطرون على جوها العام أو لا ، ثم يصلحون الآحاد ، فيصلحون بالجولة الأولى .