{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ( 201 )} .
إن المؤمنين الصادقين في إيمانهم لا تتمكن منه نوازغ الشيطان فيقول الله تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ} ومعنى{ اتقوا} جعلوا وقاية لأنفسهم من خوف الله والحرص على طاعته ، بسبب ذلك{ إذا مسهم} ، أي إذا أصابهم إصابة تمس إحساسهم ومشاعرهم{ طائف من الشيطان}
وفي قراءة ( طيف من الشيطان ) أي غضب ، أو خيال يمس الوجدان من الشيطان بأن همز الشيطان في نفوسهم فسرعان ما يستيقظ وجدانهم العامر بتقوى الله تعالى فيتذكرون الله ويرجون ثوابه ، ويخافون عقابه سبحانه ، فإذا غشاوة الشيطان تزول عنهم ، ويرجعون إلى ربهم ، وكما قال تعالى:{ فإذا هم مبصرون} .
والتعبير بالموصول يفيد أن الباعث على ذكر الله تعالى ، وحضوره في القلب واستيلائه على الإحساس والشعور بالواجب أنشأته التقوى .
والطيف والطائف معناه الغضب ، ومنهم من فسره بإمالة الشيطان ، ومنهم من فسره بالهم والذنب ، ومنهم من فسره بالذنب .
وإن الطائف يحتمل كل ذلك ، وربما يشملا جميعا ، وهي من الشيطان .
وقد يكون طائف من الرحمن كما في قصة أصحاب الجنة التي قال الله تعالى فيها:{ إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ( 17 ) ولا يستثنون ( 18 ) فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون ( 19 ) فأصبحت كالصريم ( 20 )} ( القلم ) .
فالطائف يطوف من الشيطان بالغضب أو الذنب ، أو الهم بالذنب ، أو نحو ذلك .
ومعنى النص الكريم أن الذين اتقوا ربهم إذا هموا بالشر أو أرادوه سرعان ما يرجعون فيتوبون فيقبل الله تعالى منهم . وينطبق عليهم قول اله تعالى:{ إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب . . . . . . . . . . . . . . ( 17 )} ( النساء ) .
وإن أهل التقوى لا يكونون بعيدين من ربهم ، بل هم على مقربة منه ، قلوبهم عامرة بذكره ، فإن أصابتهم غمزة ، فغفلوا ، فسرعان ما ينتبهون ، وسرعان ما يبصرون يثوبون .
وقال تعالى في التعبير عن تنبيههم للمعصية عندما تساورهم أسبابها:{ فإذا هم مبصرون} عبر أولا بالمفاجأة للناظر لحالهم ، وطائف الشر يطوف بهم ، فهو يفجأ بقطع السير إلى الرذيلة ، والمفاجأة بأنهم يبصرون ، والإبصار هنا هو يقظة الضمير وقوة الوجدان وسيطرة النفس على أهوائها ، وشبهت هذه الحال بالبصر الدائم المستمر ، الحارس على النفس أن تنفعل لداعي الشيطان ، وعبر بقوله:{ هم مبصرون} بالتعبير بالجملة الاسمية ، للإشارة إلى دوام البصر بالحقائق وإدراكها ، وتغلبها على الأهواء والمنازع .
هذه هي النفس من داخلها تدفع شرورها وتعالج أسقامها ، وإن الذين يجعلونها في معركة مستمرة وهم الذين يقاومون الفطرة ، حتى إبصار الضمائر المستيقظة ، هم إخوان السوء ، وعشراء الشر ؛ ولذا قال – سبحانه وتعالى – بعد ذلك:{ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ ( 202 )} .