/م199
وفي الآية التّالية بيان للانتصار على وساوس الشيطان بهذا النحو ( إنّ الذين اتّقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) .أي يتذكرون ما أنعم الله عليهم ،ويفكرون في سوء عاقبة الذنب وعذاب الآخرة فيتّضح لهم بذلك طريق الحق .
والطّائف: هو الذي يطوف ويدور حول الشيء ،فكأن وساوس الشيطان تدور حول فكر الإنسان وروحه كالطائف حول الشيء ليجد منفذاً إليه ،فإذا تذكر الإنسان في مثل هذه الحالة ربّه ،واستعاذ من وساوس الشيطان وعاقبة أمره ،أبعدها عنه .وإلاّ أذعن لها وانقاد وراء الشيطان .
وأساساً فإنّ كل إنسان في أية مرحلة من الإِيمان ،أو أي عمر كان ،يُبتلى بوساوس الشياطين .وربّما أحس أحياناً أن في داخله قوة مهيمنة تدفعه نحو الذنب وتدعوه إليه ،ولا شك أن مثل هذه الحالة من الوساوس في مرحلة الشباب أكثر منها في أية مرحلة أُخرى ،ولا سيما إذا كانت البيئة أو المحيط كما هو في العصر الحاضر من التحلّل والحريّة ،لا الحرية بمعناها الحقيقي ،بل بما يذهب إليه الحمقى «من الإنسلاخ من كل قيد والتزام أخلاقي أو اجتماعي أو ديني » فتزداد الوساوس الشيطانية عند الشباب .
وطريق النجاة الوحيد من هذا التلوّث والتحلل في مثل هذه الظروف ،هو تقوية رصيد التقوى أولا ،كما أشارت إليه الآية ( إن الذين اتقوا ...) ثمّ المراقبة والتوجه نحو النفس ،والالتجاء إلى الله وتذكر ألطافه ونعمه وعقابه الصارم للمذنب ..
وهناك إشارات كثيرة في الرّوايات الإِسلاميّة إلى أثر ذكر الله العميق في معالجة الوساوس الشيطانية .حتى أن الكثير من المؤمنين والعلماء وذوي المنزلة كانوا يحسون بالخطر عند مواجهة وساوس الشيطان ،وكانوا يحاربونها «بالمراقبة » المذكورة في كتب علم الأخلاق بالتفصيل .
والوساوس الشيطانية مثلها مثل الجراثيم الضارة التي تبحث عن البنية الضعيفة لتنفذ فيها .إلاّ أنّ الأجسام القوية تطرد هذه الجرائم فلا تؤثر فيها .
وجملة ( إذا هم مبصرون ) إشارة إلى حقيقةِ أن الوساوس الشيطانية تلقي حجاباً على البصيرة «الباطنية » للإِنسان ،حتى أنّه لا يعرف العدوّ من الصديق ،ولا الخير من الشر .إلاّ أن ذكر الله يكشف الحجب ويزيد الإنسان بصيرة وهدى ،ويمنحه القدرة على معرفة الحقائق والواقعيات ،المعرفة التي تخلّصه من مخالب الوساوس الشيطانية .