/م199
وفي الآية التّالية دستور آخر ،وهو في الحقيقة يمثل الوظيفة الرّابعة التي ينبغي على القادة والمبلغين أن يتحملوها ،وهي أن لا يدعوا سبيلا للشيطان إليهم ،سواء كان متمثلا بالمال أم الجاه أم المقام وما إلى ذلك ،وأن يردعوا الشياطين أو المتشيطنين ووساوسهم ،لئلا ينحرفوا عن أهدافهم .
فالقرآن يقول: ( وأمّا ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنّه سميع عليم ){[1510]} .
أجمع آية أخلاقية ...:
روي عن الإِمام الصادق( عليه السلام ) أنّه قال: «لا آية في القرآن أجمع في «المسائل » الأخلاقية من هذه الآية »{[1511]} «أي الآية الأُولى من الآيات محل البحث » .
قال بعض الحكماء في تفسير هذا الحديث: إنّ أُصول الفضائل الأخلاقية وفقاً لأُصول القوى الإنسانية «العقل » و«الغضب » و«الشّهوة » تتلخص في ثلاثة أقسام:
1الفضائل العقلية: وتدعى بالحكمة ،وتتلخص بقوله تعالى: ( وامر بالعرف ) .
2والفضائل النّفسية في مواجهة الطغيان والشهوة ،وتدعى بالعفة ،وتتلخص ب «خذ العفو » .
3والتسلط على القوة الغضبية ،وتدعى بالشجاعة ،وتتلخص في قوله تعالى ( وأعرض عن الجاهلين ) .
وسواء كان الحديث الشريف يدلّ على ما فسّره المفسّرون وأشرنا إليه آنفاً ،أو كما عبرنا عنه بشروط القائد أو المبلغ ،فهو يبيّن هذه الحقيقة ،وهي أنّ هذه الآية القصيرة الوجيزة تتضمّن منهجاً جامعاً واسعاً كليّاً في المجالات الأخلاقية والاجتماعية ،بحيث يمكننا أن نجد فيها جميع المناهج الإِيجابية البناءة والفضائل الإنسانية .وكما يقول بعض المفسّرين: إنّ إعجاز القرآن بالنسبة إلى الإِيجاز في المبنى ،والسعة في المعنى ،يتجلى في الآية محل البحث تماماً .
وينبغي الالتفات إلى أنّ الآية وإن كانت تخاطب النّبي نفسه إلاّ أنّها تشمل جميع الأُمّة والمبلغين والقادة .
كما ينبغي الالتفات إلى أنّ الآيات محل البحث ليس فيها ما يخالف مقام العصمة أيضاً ،لأنّ الأنبياء والمعصومين ينبغي أن يستعيذوا بالله من وساوس الشيطان ،كما أنّ أيّ أحد لا يستغني عن لطف الله ورعايته والاستعاذة به من وساوس الشياطين ،حتى المعصومين .
وجاء في بعض الرّوايات أنّه لما نزلت الآية ( خذ العفو ...) سأل رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) جبرئيل عن ذلك فقال جبرئيل: لا أدري ،حتى أسأل العالم ثم أتاه فقال: «يا محمّد ،إنّ الله يأمرك أن تعفو عمن ظلمك ،وتعطي من حرمك ،وتصل من قطعك{[1512]} » .
/خ200
وينبغي الإِشارة إلى أنّ الآية الثّانية هنا جاءت في سورة فصلت الآية ( 36 ) بتفاوت يسير بين الآيتين ،إذ ورد التعبير مكان قوله تعالى:( إنّه سميع عليم ) ( إنّه هو السّميع العليم ) .