{وإما ينزغنك من الشيطان نزغ استعذ بالله أنه سميع عليم( 200}:
التفسير:
{200 - وإما ينزغنك من الشيطان نزغ استعذ بالله أنه سميع عليم} .
جاء في تفسير الطبري وابن كثير ،عن عبد الرحمان بن زيد بن أسلم قال:
لما نزلت خذ العفو قال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا رب كيف بالغضب ؟"93 فنزلت هذه الآية .
والمعنى: وأن يوسوس لك الشيطان أيها المؤمن وسوسة شديدة ،ويدفعك إلى فعل الشر والإفساد دفعا قويا فاستعذ بالله أي: فالتجئ إلى الله ،وتحصن واستعن به ،على دفع وساوس الشيطان ونزغاته ،إنه سميع عليم ،يسمع دعاء الداعين ،ويستجيب للمؤمنين .
وهو سبحانه عليم بسفاهة الجاهلين ،وحسب المؤمن أن الله يسمع دعاءه ونداءه ويحيط بكل ما حوله ؛فإن العبد إذا التجأ إلى الله ،دخل في مقام العبودية الخالصة ؛فيتحصن بها من الشيطان .
قال تعالى:{إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} . ( الأعراف: 201 ) .
وقال سبحانه وتعال:{إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} .
ويلاحظ ابن كثير عند تفسير قوله تعالى:{وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله} .
إنه ما من مرة ورد الأمر بالاستعاذة من شيطان الجن ؛إلا وكان في سياقها الإرشاد إلى معاملة العاصي من الإنس بالمعروف ،أي: بالتي هي أحسن ،فإن ذلك يكفّه عما هو فيه من التمرد بإذنه تعالى ،ثم يرشد تعالى إلى الاستعاذة به ،من شيطان الجن ،فإنه لا يكفّه عنك الإحسان ،وإنما يريد هلاكك ودمارك بالكلية ،فإنه عدو لك ولأبيك من قبلك .
جاء في تفسير المنار:
النزغ كالنسغ والنخس والنخز والنكز والوكز والهمز: ألفاظ متقاربة ،وأصله: إصابة الجسد برأس شيء محدد ،كالمهما والرمح .
والمراد من نزغ الشيطان: إثارة داعية الشر والفساد ؛في غضب أو شهوة حيوانية ،أو معنوية ،بحيث تقتحم صاحبها إلى العمل بتأثيرها ،كما تنخس الدابة بالمهماز لتسرع .
وحكمة إخبار الله تعالى إيانا على ألسنة رسله بهذا العالم الغيبي المعادي لنا ،الضار بأرواحنا ،أن نراقب أفكارنا وخواطرنا ،فمتى فطنا بميل من أنفسنا إلى الشر أو الباطل ،عالجناه بما وصفه الله تعالى بقوله:{فاستعذ بالله أنه سميع عليم} .
أي: الجأ إلى الله بقلبك ولسانك ،فإنه تعالى يستجيب لك ويصرف عنك وسوسة الشيطان .
قال تعالى:{فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * أنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون . ( النحل: 98 ،99 ) .
والخطاب في هذه الآية وأمثالها من آيات التشريع ؛موجه إلى كل مكلف وأولهم الرسول صلى الله عليه وسلم ،ومن المفسرين من يقول: إنه هنا للنبي صلى الله عليه وسلم ؛والمراد: أمته ...والمختار عندي الآن: عصمته صلى الله عليه وسلم من نزغ الشيطان بدليل ما ورد في صحيح مسلم:"ما منكم أحد إلا وقد وكّل به قرينه من الجنّ ؛قالوا: وإياك يا رسول الله ؟قال: وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم "94 .