{ وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} .
النزغ ، الإفساد ، ومن ذلك قوله الله تعالى – على لسان يوسف – عليه السلام – مخاطبا أبويه:{. . . . . . . . . . . . وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء . . . . . . . . . . . . ( 100 )} ( يوسف ) ، ويظهر لي من استعمال القرآن الكريم أن النزغ يكون إفساد ما بين من يجب الارتباط بهم بالمودة ، وإسناد النزغ إلى الشيطان ؛ لأنه يكون من وساوسه التي تكبر السيئات وتصغر الحسنات .
وقد قالوا:إن النزغ والهمز والوسوسة بمعنى واحد ، وقد قال تعالى:
{ وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين ( 97 )} ( المؤمنون ) .
وإن العلاج من نزغات الشيطان هو الاتجاه إلى الله تعالى أن ينزغ من النفس أضغانها ، وهمزات الشيطان فيها ليرتاح نفسيا ، وليكون خيرا للناس ، ويفتح قلبه لهم ، وينبسط بالسرور للقائهم . ومعنى استعذ بالله ، أي اجعل الله تعالى معاذك وملجأك ، فإن الالتجاء إليه مطمأن النفوس ، ومكان استقرارها ، ومن علا إلى ملكوت الله تعالى أحس بعلو عن الضغن وحسك الصدر ، وأحس بأنه رباني لا ينزل إلى موضع التحاسد والتباغض .
وقوله تعالى:{ وإما ينزغنك من الشيطان نزغ} فيه ( إن ) مدغمة في ( ما ) الدالة على توكيد ما بعدها . والمعنى إن ينزغنك بشدة وقوة نزغ مصدره الشيطان ، فاستعذ بالله ، ولأن{ وإما ينزغنك} فيها توكيد ألحقت به نون التوكيد الثقيلة ، وكانت في معنى القسم ، وقوله:{ من الشيطان نزغ} بتقديم الجار والمجرور يكون تأكيد أن النزغ من الشيطان وحده ، فلا يكون إلا منه ، وفي ذلك حض على مقاومته ، والاستعانة على مقاومته ، بكل ما يدفع شره ، وفي ذكر أنه من الشيطان وحده بيان أنه شر ما بين الناس دائما .
وإذا كان الشيطان ينزغ دائما ، فالمعاذ به هو الله ، وهو وحده القادر على دفع الشر ؛ ولذا قال تعالى:{ إنه سميع عليم} ، أي هو وحده السميع العليم ، وذلك يزكي معنى الالتجاء إليه – سبحانه وتعالى – وحده فهو{ عليم} بما تخفي النفوس ، ومال تظهره الألسنة ، وهو سميع أي عليم علم من يسمع ومن يبصر .
ومن كان له الصفات العليا فهو الجدير بأن يلجأ إليه لتطهير النفوس من أدرانها .
وهذا النص كقوله تعالى:{ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ( 30 ) نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون ( 31 ) نزلا من غفور رحيم ( 32 ) ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ( 33 ) ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ( 34 ) وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ( 35 ) وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ( 36 )} ( فصلت ) .
ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:( إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق ) ( 1 ){[1142]} .